بعد التوقيع على اتفاق الرياض بين حكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، و«المجلس الانتقالي الجنوبي»، يكون التحالف السعودي ــــ الإماراتي قد ثبّت واقعاً جديداً جنوبي اليمن، وأسدل الستار عن حقبة كانت تتمتع فيها حكومة هادي بهامش من الاستقلالية، ولو كان ضئيلاً. الاتفاق جرّد الحكومة الجديدة، المُزمَع تشكيلها خلال شهر، من أي صلاحيات تنفيذية أو سيادية لمصلحة لجنة سعودية مخوّلة إدارة المشهد في الجنوب برمّته. كما أنه لم يتطرّق إلى القضايا التي تلامس هواجس الشارع اليمني، ومنها الخدمات والمرتبات، فضلاً عن ملفات المعتقلين والأسرى والمخفيين قسراً في عشرات السجون السرية والرسمية من دون محاكمات. في المقابل، حرصت البنود على حفظ مصالح الإمارات والسعودية عبر دمج الميليشيات التابعة لهما ضمن الحكومة المرتقبة. وحدّد الاتفاق حتى مواقع القوات، رافضاً أي تحرك لتلك القوات في أي مَهمة إلا بإذن اللجنة السعودية التي ستتخذ من عدن مقراً لها.

برغم التسريبات التي تحدّثت عن عودة فورية للرئيس هادي وحكومته من الرياض إلى عدن عقب التوقيع، بعد أن كان ممنوعاً من العودة إلى البلاد، فإن رجوعه لن يكون لممارسة مَهامه وصلاحياته الرئاسية، بل سيكون مقروناً بتثبيت الاتفاق من دون تجاوز الخطوط المرسومة له من التحالف. لذلك، وفي مؤشر على واقع الاتفاق، توالت ردود فعل واسعة مناهضة، وعبّرت أطراف عن رفضها له، من ضمنها «مجلس الإنقاذ الوطني اليمني الجنوبي» الذي شدّد على ضرورة «إخراج القوات الأجنبية واستعادة القرار الوطني»، مشيراً إلى أن «الاتفاقية كافأت الميليشيات المناطقية التي تستخدم السلاح لفرض خياراتها». واعتبر «الإنقاذ» أن «الاتفاقية لم يُناقش فيها حتى حكومة هادي ولا المجلس، وجاءت نتائج تفاهمات بين الرياض وأبو ظبي».

ثمة سؤال عن مصير الاتفاق في ظل الرفض الواسع من مكوّنات جنوبية

ترى مكوّنات «الحراك الجنوبي»، الداعية إلى استعادة دولة جنوب اليمن، أن الاتفاق يهدف إلى طمس مكوّنات الحراك وإنهاء مشروعه، خصوصاً أن «الانتقالي» وقّع الاتفاقية ممثلاً عن الجنوب في حكومة مناصفة بين الشمال والجنوب. فالاتفاقية نصّت على «الحفاظ على وحدة اليمن» وفق المرجعيات الثلاث (المبادرة الخليجية، مخرجات الحوار الوطني وقرار مجلس الأمن)، وهي مرجعيات كانت ترفضها مكوّنات الحراك، وأخرجت جماهيرها إلى الشارع في عدد من المناسبات لتعبّر عن رفضها تلك المخرجات. واعتبرت حركة «تاج» أن «مواجهة الحوثيين في الجنوب لا تعطي للتحالف شيكاً على بياض لمصادرة الحق الجنوبي»، لافتة إلى أنها «لن تسمح باحتلال جديد للجنوب تحت أي ظرف». هكذا، يبدو الاتفاق في نظر قوى جنوبية، بعد ساعات من توقيعه، يضع البلاد تحت رحمة «التحالف»، لتتحكم بكل شاردة وواردة، وهو فصل من فصول الوصاية الخارجية على اليمن منذ بدء الحرب قبل خمس سنوات، الأمر الذي أكده أيضاً وزراء في حكومة هادي بتحذيرهم أن «التحالف بات مطلق الصلاحيات»، وأن «الشرعية لم يعد لها أي سلطة»، وفق تصريحات وزير النقل في الحكومة صالح الجبواني.
من هنا، يتساءل مراقبون عن مصير الاتفاق في ظل الرفض الواسع من مكوّنات جنوبية غير خاضعة لوصاية «التحالف»، خصوصاً تلك التي تمتلك شعبية عريضة يمكن لها أن تحرك الشارع في فعّاليات سلمية للتعبير عن رفض «اتفاق الرياض»، وهو ما جاء ضمنياً في البيانات التي انهالت بعد التوقيع من عدد من المكوّنات السياسية، ليصبح السؤال الآن حول العلاقة بين التحالف وهذه التيارات المطالبة بإنهاء الاحتلال، وهو بات اليوم بعهده الجديد احتلالاً سعودياً يرث أبو ظبي التي أدارت عدن في السابق بقبضة حديدية، وقمعت الفعّاليات وزجّت بالمئات من المخالفين لسياساتها في السجون.
غير أن تلك السياسة أفرزت نتائج عكسية وباتت كتلة كبيرة في الجنوب ضد التحالف، إذ شهدت المدن تنظيم جنوبيين فعّاليات شبه أسبوعية تطالب بخروج التحالف، فضلاً عن اعتصامات مفتوحة في المهرة يتجمهر فيها الآلاف من القبائل رافضين «الاحتلال السعودي الإماراتي للمدينة». لذلك، يقلّل السياسي اليمني نبيل عبدالله، في حديث إلى «الأخبار»، من فرص نجاح الاتفاق، قائلاً إن «الاتفاق ليس للسلام ولا للاستقرار، ولكن لترتيب وضع شركاء الحرب لفتح جبهة جديدة»، مشيراً إلى أن «الاتفاق لن ينجح حتى في توحيد جبهة الحرب الجديدة». أيضاً، شنّ نائب رئيس «مجلس الإنقاذ»، علي بن حصيان الحارثي، هجوماً لاذعاً على الاتفاق، معتبراً أنه «مسرحية هزلية لإعادة إنتاج الاحتلال عبر أدواته وعملائه»، ومشدداً على رفض «الاتفاق ومواجهة دولتي الاحتلال السعودي والإماراتي بكل السبل المتاحة مثل ما واجه الآباء والأجداد الاحتلال البريطاني في الجنوب».