تدخل صدامات وكلاء “التحالف” في اليمن مستوى جديدا، وغير مسبوق، لكن هذه المرة ليس من حيث درجة التصعيد المتبادل وحسب، بل من حيث خلفية هذه الصدامات، فبعد أن جرت العادة أن تترجم هذه الصدامات مدى التنافس السعودي الإماراتي على النفود، تدخل اليوم “قطر” الحلبة لتغير هذا “التنافس” إلى صراع حقيقي.. صراع إقليمي تفجرت شرارته بسبب فشل “المصالحة” بين الثلاثي الخليجي المتناطح (السعودية والإمارات وقطر) حيث أفضى هذا الفشل إلى تشكيل جبهة جديد بين الأطراف الثلاثة، وكان المكان المناسب لهذه الجبهة هو اليمن، ومناطق سيطرة “التحالف” تحديدا، لأنها المكان الوحيد الذي تتواجد فيه أذرع عسكرية محلية كبيرة وعلنية تابعة للدول الثلاث، وجيدة التسليح، ومستعدة لخوض مواجهة طاحنة تحت الكثير من العناوين، وقد بدأ مسرح معركة هذه الجبهة يتشكل بوضوح على الميدان اليمني.

أنسب “وكلاء” لخوض الصراع

في التفاصيل، تحدثت مصادر رفيعة المستوى لصحيفة “المراسل” أن جهودا للمصالحة بين السعودية والإمارات من جهة، وقطر من جهة أخرى، تكللت بالفشل، وهو ما انعكس على “القمة الخليجية” الأخيرة التي تغيب عنها أمير قطر، لكن السعودية والإمارات تعاملتا مع هذا الفشل باعتباره “نهاية الطريق” وقررتا اتخاذ خطوة تصعيدية حاسمة ضد “قطر” ولكن بصورة غير مباشرة، أي عبر قطع نفوذها الخارجي، فكان “اليمن” هو المكان الأنسب لفعل ذلك، كون الدوحة تمتلك فيه أكبر ذراع عسكري وسياسي محلي، يتمثل بـ”حزب الإصلاح” الذي يعتبر حتى الآن الممثل الأبرز لحكومة هادي التي يدعمها “التحالف”.

هكذا، كان قرار السعودية والإمارات التخلص من “الاصلاح” بالقوة، فبقاءه كأغلبية في حكومة هادي، مع ارتباطه بقطر، بات يشكل ثغرة تستطيع الدوحة الاستفادة منها بشكل كبير، فهي الأخرى قررت خوض الصراع الاقليمي مع الرياض وأبو ظبي، بنفس الطريقة.

ووفقا لهذه الخلفية، بدأ المشهد الميداني في مناطق سيطرة “التحالف” وأتباعه في اليمن، يتغير بشكل متسارع وملحوظ، ومختلف عن السابق، فبعد أن كانت صراعات “الاصلاح” و”الانتقالي” تترجم المنافسة الكبيرة بين السعودية والإمارات، أصبحت السعودية والإمارات في متراس واحد الآن ضد الاصلاح، فجاء “اتفاق الرياض” ليهيئ أرضية هذه المواجهة، حيث تحول “الانتقالي” فجأة إلى طرف “شرعي” يحظى بمباركة ودعم السعودية والإمارات معا، وهذا ما ترجمته الأحداث والمعارك الأخيرة التي شهدتها مناطق سيطرة “التحالف” وفي الجنوب بالذات.

وبالنسبة للانتقالي، تفيد المعلومات التي حصلت عليها “المراسل” بأن عدة معسكرات جديدة افتتحها “الانتقالي” بعد “اتفاق الرياض” بدعم سعودي، وليس هذا فحسب، فالمواجهات الأخيرة التي شهدتها المحافظات الجنوبية بالذات، أظهرت وقوفا سعوديا واضحا إلى جانب “المجلس”، ففي شبوة مثلا تعرضت عددا من النقاط العسكرية التي كانت تتواجد فيها قوات الاصلاح بالقرب من “بلحاف” إلى قنابل صوتية وضوئية ألقها طيران “التحالف” قبل أن يتم اقتحام هذه النقاط والسيطرة عليها من قبل قوات “الانتقالي”، وفي سقطرى، اقتحمت القوات الإماراتية وقوات “الانتقالي” مطار المحافظة بالقوة وسيرة رحلة جوية بدون لجوء ألى الاجراءات المتبعة للمطار، فما كان من سلطة “الاصلاح” إلا رفع رسالة شكوى أكدت فيها أن القوات السعودية كانت متواجدة خلال الاقتحام ولم تفعل شيئا.

أضف إلى ذلك التهديدات التي وجهتها السعودية، قبل اسابيع، لقوات “الاصلاح” القادمة من مأرب، بأنها ستتعرض للقصف بالطيران إذا لم تتوقف عن التقدم باتجاه عدن.

تعز .. جبهة رئيسية

أما حزب الإصلاح فقد ترجم مشاركته في “الصراع الإقليمي” بشكل واضح هو الآخر، من خلال دعوة أطلقها القيادي الإصلاحي المقيم في تركيا “الشيخ حمود سعيد المخلافي” الذي عرف لفترة طويلة بـ”قائد مقاومة تعز”، والذي دعا نهاية أغسطس الفائت، جميع أبناء ما أسماه “إقليم الجند”  المقاتلين في الحد الجنوبي للسعودية إلى “سرعة العودة إلى محافظة تعز لحمايتها من المخاطر والتهديدات التي قد تتعرض لها”

لم يسحب الإصلاح جميع مقاتليه من الجبهة الحدودية، لكنه سرعان ما بلور دعوة “المخلافي” بحشد غير مسبوق لعناصر الحزب في معسكر جديد سمي بـ”لواء الجند” أقيم في منطقة يفرس جنوب مدينة تعز، وضم هذا الحشد مختلف التشكيلات المليشاوية التابعة للحزب، وجاء انشاء هذا المعسكر مصحوبا بتصريحات لـ”المخلافي” يدعو فيها إلى الاستعداد والجهوزية ويتكلم فيها عن “المؤامرات”

هكذا تحركت قطر في الصراع الاقليمي الدائر على الأرض اليمنية بسرعة لمواكبة التحركات الإماراتية – السعودية المضادة، فإنشاء “لواء الجند” الإصلاحي في تعز، جاء بالتزامن مع ترتيبات جديدة للرياض وأبو ظبي في المحافظة، حيث تفيد مصادر “المراسل” بأنه تم إعداد “طارق صالح” ضمن الأذرع السعودية الإماراتية، لمواجهة “الاصلاح” في تعز، وقد أكد الأخير أكثر من مرة على ذلك، بل وتم حشد تظاهرات إصلاحية هتفت ورفعت شعارات ضد “طارق” وطالبته بمغادرة “المخا”.

لم تسكت السعودية والإمارات على ترتيبات قطر في تعز، فقامت بتوجيه حملة ضد معسكر “لواء الجند” الإصلاحي، كان من إبرز مظاهرها بيانات صدرت عن مؤسسات “حكومية” في المحافظة ومنظمات، طالبت بـ”إغلاق المعسكر”، إلى جانب أخبار وتقارير بثت عبر القنوات السعودية والإماراتية، (الحدث، العربية، … الخ) وصفت عناصر الإصلاح في المعسكر بـ”غير النظاميين”

وتحدثت وسائل الإعلام أيضا عن “مخطط إخواني بدعم قطري” لتشكيل عدة ألوية مماثلة تتبع حزب الإصلاح، الأمر الذي يؤكد الاستنفار القطري لخوض الصراع مع أدوات الإمارات والسعودية في تعز.

دفعت السعودية والإمارات أيضا الأحزاب السياسية المتواجدة في تعز، إلى إصدار بيانات تطالب بإغلاق المعسكر وتتحدث عن “تمويل خارجي من دول إقليمية معادية للتحالف” الأمر الذي ربط الأحداث بالصراع الإقليمي بشكل واضح، كما قال بيان هذه الأحزاب إنها “ترفض محاولات تحويل تعز إلى ساحة حب لتصفية صراعات وأجندات خارجية” في إشارة إلى قطر

وشارك مسؤولون في حكومة هادي ضمن تلك الحملة أيضا، ومنهم “علي الصراري” مستشار رئيس حكومة هادي، والذي قال لقناة “الحدث” إن إنشاء معسكر الاصلاح الجديد و”يعرض تعز للدخول في تطورات غاية في الخطورة، وأضاف: “حمود المخلافي يقوم بانشاء معسكر بدعم تركي قطري”

في خضم هذا التوتر المتصاعد، جاءت تفاصيل أخرى تكشف المزيد من ارتباطات الأحداث في محافظة تعز بصراع الدول الخليجية الثلاث، لكن هذه المرة جاءت التفاصيل جاءت من صنعاء، على لسان نائب وزير خارجيتها، حسين العزي، الذي كشف أن في تغريدة على “تويتر” أن الإمارات اعتمدت خطتان للقضاء على الاصلاح، إحداهما تخص تعز وكلفت “طارق صالح” بتنفيذها، والأخرى تخص اغتيال قيادت “الاصلاح” في بقية المحافظات الواقعة تحت سيطرة “التحالف”، وكلفت بها أيضا “طارق صالح” بالاشتراك مع “الانتقالي”.

هذا التصريح جاء منسجما تماما مع طبيعة الاحداث الدائرة على طول رقعة المناطق التي يسيطر عليها “التحالف” واتباعه، حيث نشطت مؤخرا عمليات الاغتيالات بشكل يكشف مخططا جديدا للتصفيات المتبادلة.

وبالحديث عن الاغتيالات، فلا يمكن تجاهل اغتيال “العميد عدنان الحمادي” قائد “اللواء 35” في قوات هادي، والذي شكل منعطفا كبيرا كشف الخلفية الإقليمية للصراع، فالأذرع الإماراتية والسعودية لازالت تحاول الاستفادة من هذا الاغتيال، بالتحشيد ضد “الاصلاح” كونه المتهم الأبرز في العملية، وفي الوقت ذاته يفعل “الاصلاح” نفس الشيء، متباكيا على “الحمادي” ومتهما الإمارات باغتياله بغرض التحريض ضد الحزب.

وكانت قوات “الاصلاح” قد خسرت خلال الفترة الماضية العديد من قياداتها العسكرية في عمليات اغتيال وتصفيات طالتها في عدة مناطق، الأمر الذي يؤكد  تفعيل خطط الصراع الإقليمي بين الأطراف الخليجية بواسطة أذرعها المحلية كما كشفها “العزي” وكما وضحتها المعطيات السابقة.

 

تعزيزات إماراتية سعودية تتحرك من المكلا

مؤشرات الصراع الإقليمي الجديد ظهرت أيضا في محافظة حضرموت، حيث أفادت مصادر مطلعة لصحيفة “المراسل” بان قوات عسكرية إماراتية سعودية وصلت قبل أيام إلى ميناء المكلا، بما يزيد عن 70 آلية عسكرية (مدرعات ومصفحات مدافع وعربات اتصالات) إلى جانب عدة أطقم، وأوضحت المصادر أن وجهة هذه القوات هي محافظة شبوة، لمواجهة “الاصلاح” الذي كان قد اطمأن إلى سيطرته على المحافظة بعد جولات صراع “ما قبل اتفاق الرياض”.

ولعل التقدم الذي حققته قوات الانتقالي في شبوة قبل أيام تحت غطاء من طيران “التحالف”، يأتي في إطار تفعيل التوجه الميداني لتقليص وجود الاصلاح في المحافظة.

وفي هذا السياق، فإن تعزيزات “الاصلاح” التي استمرت بالتوافد من مأرب إلى شبوة وأبين باتجاه عدن طوال الأسابيع والأيام الماضية، كانت بالأحرى تحركا قطريا لاستباق ما تخطط له السعودية والإمارات، حيث كانت صحيفة “المراسل” قد نشرت في عددها الأول ان الاصلاح يجهز ألوية لاجتياح الجنوب، وهو ما انعكس على الواقع سريعا من خلال تلك التعزيزات التي فجر قدومها مواجهات عنيفة لا زالت تتكرر مع قوات “الانتقالي” في أبين وشبوة.

وكان غياب صدمة الاصلاح من تهديدات السعودية بقصف تلك التعزيزات في “شقرة” مؤشرا واضحا على أنه يعي خلفية الصراع الإقليمي الذي يخوضه بالوكالة، فبادر إلى إعلان تلقيه تلك التهديدات، مثلما بادر إلى إعلان تواطؤ القوات السعودية مع الإماراتية في مطار سقطرى رافعا قميص “الشرعية” لكسب التعاطف، لكن مع “اتفاق الرياض” ودخول “الانتقالي” كطرف رسمي في هذه “الشرعية” وربما يكون الطرف الأبرز، سيتجرد الإصلاح من احتكار تمثيل حكومة هادي وبالتالي لن يستطيع اظهار استهدافه على انه استهداف لـ”الشرعية”، وهو الأمر الذي يكشف أن السعودية والإمارات وضعت حساب ذلك أيضا عند هندستهما لـ”اتفاق الرياض”.

ولعل ما توقعه العديد من المراقبين الدوليين ووسائل الإعلام الأجنبية قبل فترة من أن “اتفاق الرياض” سيؤدي إلى المزيد من الصراعات الداخلية بين وكلاء “التحالف” كان ينطلق من خلفية الصراع الاقليمي بين الدول الخليجية الثلاث.

 

تقسيم جديد يخرج “الاصلاح” من اللعبة

في إطار هذا الصراع نشطت أيضا مؤخرا التحركات الرامية لـ”التقسيم” وإعادة تشكيل الجغرافيا وفقا لمصالح السعودية والإمارات، وبما يضمن خروج “الاصلاح” من اللعبة، فهو يستخدم شعار “الوحدة” كدعاية إعلامية لكسب تأييد لموقفه ضد “الانتقالي” وبقية وكلاء الإمارات الذين أصبحوا الآن وكلاء للسعودية أيضا.

وفي هذا السياق، نشرت جريدة “الأخبار اللبنانية” منتصف هذا الشهر، تقريرا تناول مساع جديدة من “التحالف” لتقسيم حضرموت إلى محافظتين، وهو ما أعلن وزير الإدارة المحلية بحكومة هادي وضع دراسة له بإشراف سعودي، وذلك بالتوازي مع توسيع السيطرة على السعودية، وإضافة إلى ذلك، تحدثت الصحيفة أيضا عن مساع لفصل المديريات الساحلية لمحافظة تعز وغيرها من المحافظات المطلة على المضيق،لتشكل جميعها كمحافظة مستقلة تحمل اسم “باب المندب” وهو مشروع إماراتي، عاد الآن إلى المشهد بواجهة سعودية.

يركز “الاصلاح” دائما في هجومه الإعلامي على “الانتقالي” و “الإمارات” على دعاية “التمسك بالوحدة” لكن مع دخول السعودية حلبة التقسيم بهذا النشاط الذي سيبرز فيه “الانتقالي” و”طارق صالح” كأدوات، بات الإصلاح محشورا بين خيارين، إما التخلي عن “قطر” ومحاولة التودد للسعودية والإمارات لإدخاله في الصفقة، وإما البقاء في المعسكر القطري وخوض المعركة عسكريا.

المصدر:  صحيفة المراسل