منبر كل الاحرار

خفايا أزمات المشتقات النفطية في جنوب اليمن (تقرير)

الجنوب اليوم | تقرير

 

 

قد يستغرب البعض عن سبب وجود أزمة في المشتقات النفطية تستمر لأسابيع وأحياناً لأشهر في المحافظات الجنوبية التي يسيطر عليها التحالف السعودي الإماراتي وحكومة “الشرعية” الموجود نصفها في الداخل ونصفها في المنفى، ولا تكاد تختفي أزمة إلا وتظهر بعدها أزمة جديدة، على الرغم من أن هذه المناطق يفترض بأنها ليست محاصرة كما هو الحال في مناطق سيطرة حكومة صنعاء “الحوثيين”، بمعنى ألا وجود لأي مبرر لأي أزمة سواءً في المشتقات النفطية أو غيرها، ومع ذلك أصبحت الأزمات في توفير المشتقات في المحافظات الجنوبية أكثر من المناطق الشمالية المسيطر عليها من قبل حكومة صنعاء.

فالمحافظات الجنوبية، موانئها ومنافذها مفتوحة، والاستيراد إليها سواءً موانئ: عدن، المكلا، شبوة، نشطون، هو مفتوح، ولا تتعرض السفن القادمة إلى الجنوب لأي احتجاز من قبل التحالف كما لا تتعرض لقرصنة بحرية، رغم ذلك الأزمات في الجنوب أكثر بكثير من الشمال.

ما يدهش أيضاً هو أن المحافظات اليمنية الجنوبية غنية بالثروة النفطية والغازية وتوجد بها منشآت وشركات أجنبية ومختلطة تنتج يومياً كميات كبيرة من النفط، وبحسب آخر الإحصاءات الرسمية فإن حكومة هادي تُصدّر ما بين 2.5 – 3 مليون بريمل سنوياً، ويتم تصدير هذه الكميات عبر مينائي: المشيمة بشبوة والضبة في المكلا، لكن إيرادات هذه الكميات يتم توريدها لحساب خاص في البنك الأهلي السعودي في الرياض، وليس لحساب الخزينة العامة لحكومة “الشرعية” في البنك المركزي في عدن، ورغم ذلك تجد أبناء المحافظات الجنوبية أنفسهم يبحثون عن المشتقات النفطية في السوق السوداء بل ويعانون من ارتفاع أسعارها في حال توفرت.

يشبه البعض ما تعيشه المناطق الجنوبية لليمن مقارنة بما تملكه من إمكانيات وثروات وظروف سياسية واقتصادية بأنه “أحجية” بحاجة إلى حل، حاولنا هنا في هذا التقرير حل هذه الأحجية.

حصل “الجنوب اليوم” من مصدر في نقابة موظفي بشركة النفط في عدن – يتحفظ الموقع عن كشف هويته – على معلومات تؤكد أن سعر المشتقات النفطية بعد وصولها إلى أي ميناء من موانئ المحافظات الجنوبية منخفض جداً عن السعر الذي حددته شركة النفط كتسعيرة رسمية للبيع للمستهلك، رغم أن هذا السعر غير مستقر وتقوم شركة النفط برفع التسعيرة بين كل فترة وأخرى وأحياناً لا يفصل بين التسعيرة السابقة والجديدة سوى أسابيع قليلة.

المصلحة من رفع تسعيرة المشتقات النفطية بشكل مبالغ فيه رغم وصولها إلى الموانئ الجنوبية بسعرها الطبيعي وهو سعر الشراء من المصدر زائد تكاليف الشحن، تمثلت بحسب المصدر في الآتي: تخصيص المجلس الانتقالي الجنوبي جزءاً كبيراً من هذه الكميات المستوردة كحصة إلزامية يقوم الانتقالي بشرائها من الموردين بالقوة وبنفس السعر العادي، ثم يقوم المجلس بتخصيص جزء بسيط من هذه الكميات المشتراة بالقوة لصالح حصص مجانية يوزعها لقياداته المدنية والعسكرية، والجزء الأكبر من الكمية ذاتها يقوم الانتقالي ببيعها للمواطنين في الجنوب بسعر السوق السوداء ما يمكنه من تحقيق أرباح مضاعفة، أما بقية الكمية المستوردة فيضيع جزء كبير منها ويختفي تماماً ولا تظهر هذه الكميات إلا في السوق السوداء، لبيعها لمصلحة نافذين في كل من حكومة هادي والانتقالي وبأسعار باهضة جداً لدرجة أن سعر الدبة البنزين سعة 20 لتر وصلت الأسبوع الماضي في عدن إلى 60 ألف ريال أي بمبلغ 3 آلاف ريال للتر الواحد، أما ما يصل إلى محطات بيع البنزين فلا يكاد يصل إلى نسبة 20 في المائة من أي كمية مستوردة، بحسب المصدر الخاص بنقابة موظفي نفط عدن.

مقارنة مفزعة

كمية الـ20% المتبقية من أي شحنة مستوردة عبر موانئ الجنوب توزع على محطات البيع الرسمية وتُباع هذه الكمية بسعر 17 ألف و700 ريال للدبة الواحدة سعة 20 لتر حسب آخر تسعيرة رسمية لشركة نفط عدن، ومبلغ كهذا يعد مبالغاً فيه نظراً لأن السفن المحملة بالمشتقات الواصلة إلى موانئ الجنوب لا تخضع للاحتجاز والتأخير لأشهر طويلة في عرض البحر من قبل التحالف كما هو الحال مع السفن المحملة بالمشتقات المستوردة عبر مبناء الحديدة في المناطق الشمالية والذي يتسبب برفع تكلفة الاستيراد ومضاعفة قيمة أي شحنة بسبب تراكم إيجار السفن المحتجزة في جيزان وارتفاع تكلفة تأمينها، ورغم ذلك يُباع البنزين في المناطق الجنوبية بـ17 ألف و700 ريال بحسب التسعيرة الرسمية مع وجود الكمية الأكبر من اي شحنة في السوق السوداء، وفي المناطق الشمالية التي تسيطر عليها حكومة صنعاء يُباع البنزين بـ9 آلاف و900 ريال للدبة الواحدة سعة 20 لتر حسب التسعيرة الرسمية التي أقرتها مؤخراً شركة النفط بصنعاء، مع عدم وجود سوق سوداء بمناطق الحوثيين إلا كحالات انفرادية نادرة، ولو لم يتم احتجاز السفن من قبل التحالف وما يترتب عليه من غرامات وإيجار السفن لكانت التسعيرة الرسمية المقرة من نفط صنعاء أقل من 9 آلاف ريال للدبة، وهذه المقارنة لم يعد بالإمكان إخفاؤها عن أبناء الجنوب وليست مدحاً في سلطة الحوثيين وإشادة بها بقدر ما هي مكاشفة حقيقية لما يتعرض له أبناء المحافظات الجنوبية من المسؤولين الحكوميين بالشرعية وقيادة الانتقالي الجنوبي أنفسهم من إفقار وتجويع متعمّد لأبناء الجنوب على حساب تحقيق مصالح مادية لصالح مجموعات النفوذ في سلطتي الانتقالي والشرعية ومن معهما من تجار الأزمات والحروب.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com