النشأة
ولد حسن أحمد باعوم في سنة 1943م، في منطقة الرشيد بمديرية دوعن في محافظة حضرموت. وهناك تلقى تعليمه الأولي في كتاتيب المنطقة، لينتقل بعد سنوات إلى مدينة غيل باوزير حيث تلقى تعليمه الإبتدائي والمتوسط، الذي لم تتح له فرصة إكماله نتيجة الظروف المعيشية الصعبة التي أجبرته على ترك مقاعد الدراسة والانتقال إلى مدينة عدن، أواخر الخمسينات، بحثاً عن لقمة العيش. عمل الشاب اليافع في مستودعات الجبل المطل على مدينة كريتر، ومن الجبل كان يستشرف مستقبل وطنه وواقع الإستعمار البريطاني، ما دعاه إلى الانخراط مبكراً في صفوف الحركة القومية، وكذا المشاركة في الثورة ضد حكم الإمامة في الشمال العام 1962م.
لقاءات سرية وعمليات فدائية
بدأت إرهاصات الثورة ضد الإستعمار بتنظيم اجتماعات ولقاءات سرية للشباب القادمين من شتى محميات وسلطنات وإمارات الجنوب العربي. كان باعوم من أبرز الحاضرين لها، في إطار دوره الذي لم يقتصر على تسيير المظاهرات العمالية والنقابية، بل امتد إلى التخطيط والتدريب والاعداد لمرحلة الكفاح المسلح. وعندما انطلقت “الجبهة القومية”، في العام 1963م، كفصيل مسلح، كان باعوم من أبرز مؤسسيها وعناصرها الفاعلين؛ فشارك في التخطيط والتنفيذ لكثير من العمليات الفدائية ضد الجنود البريطانيين بمعية رفاق دربه، سالم ربيع علي وعلي سالم يافعي اللذين قضيا في تلك الحقبة الزمنية. وبفعل الكفاح المسلح، سقطت مدينة كريتر بأيدي الثوار في 20 يونيو 1967م، ثم كان الإستقلال في نوفمبر من العام نفسه.
غياب قسري
ونتيجة للخلافات الحادة التي عصفت برواد ثورة 14 أكتوبر، غاب باعوم عن المشهد السياسي بعد تعرضه، وعدد من رفاقه، للملاحقة من قبل بعض فصائل “جبهة التحرير”، حيث اختفى بمعية رفيق دربه علي سالم البيض منذ 20 مارس 1968، ليظهرا في 22 يونيو 1969م، إثر ما عرف بالخطوة التصحيحية وسيطرة الجناح اليساري على السلطة وتنظيم “الجبهة الشعبية”، وهي الفترة التي انتخب فيها عبد الفتاح إسماعيل لمنصب الأمين العام للجنة المركزية لـ”جبهة التحرير القومية”، وعضواً في هيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى في عام 1970م، ليعلن بعد تسع سنوات من ذلك التاريخ قيام “الحزب الإشتراكي اليمني” عام 1978م.
مناصب
إنتُخب باعوم عضواً في المكتب السياسي لـ”الجبهة القومية”، ورئيساً للجنة الرقابة التنظيمية العليا، وهو المنصب الذي كان يوازي منصب نائب رئيس وزراء. وبعدها شغل منصب مسؤول العمل التنظيمي السياسي في المحافظتين الثانية والرابعة (لحج – شبوة). وعند الإعلان عن قيام دولة الوحدة في 22 مايو 1990، جرى تعيين باعوم مستشاراً لمجلس الرئاسة بدرجة نائب رئيس مجلس وزراء.
الحرب وما بعدها
عند اندلاع حرب صيف العام 1994م، أُسندت إلى باعوم مهمة الإشراف على جبهة محافظة شبوة (شرقي اليمن)، فخاض معارك شرسة قبل انهيار تلك الجبهة في يوليو، ودخول قوات الرئيس علي عبد الله صالح الجنوب عبر بوابة شبوة، التي دلفت من خلالها إلى المكلا عاصمة محافظة حضرموت. أصيب باعوم في المعارك التي دارت إصابة بليغة في الجهة اليسرى من الصدر، أسعف على إثرها إلى مستشفى ابن سينا في حضرموت ثم نقل إلى دولة عمان. وبعد أن وضعت الحرب أوزارها في 7 يوليو 1994م، عاد باعوم من عمان إلى حضرموت لاستئناف نشاطه السياسي، فبدأ بالتواصل مع من تبقى في الداخل ومع العائدين من الخارج سعياً للبحث عن مخرج للواقع الجديد، فشكل مع علي صالح عباد مقبل ومحمد حيدرة مسدوس تياراً سياسياً يؤمن بإمكانية الخروج من واقع المعاناة باستغلال اللعبة السياسية واستعادة مكانة الجنوبيين من خلال “الحزب الإشتراكي اليمني”، لكنه وجد أن تركيبة الحزب بعد الحرب اختلفت كثيراً عن التركيبة السابقة؛ فقد غلب عدد “الرفاق” الشماليين على الجنوبيين، ناهيك عن إفراغ الحزب من مضمونه ومحتواه الجنوبي.

لذا، تفرغ باعوم لإعادة لملمة وتنظيم قواعد ومراكز الحزب في محافظة حضرموت، التي شغل فيها منصب سكرتير أول لمنظمة الحزب في المحافظة، واشترك بمعية محمد حيدرة مسدوس في صياغة برنامج جديد في ظل القبول بسياسة الأمر الواقع، فأعلنا تأسيس تيار إصلاح مسار الوحدة اليمنية، وهذا التيار، كما يقول مسدوس، “ظهر بعد الحرب مباشرة وطرح فكرة إزالة آثار الحرب وإصلاح مسار الوحدة”. وحدد التيار مفهومه لإزالة آثار الحرب بنقاط أربع: أولها إلغاء الفتوى الدينية التي بررت الحرب وأباحت الأرض والعرض وحولت الجنوب إلى غنيمة على طريقة القرون الوسطى، والتي لا يجوز دينياً ولا قانونياً ولا وحدوياً ولا أمنياً أن تظل باقية، وثانيها إعادة ما نهب تحت تلك الفتوى أو تحت غيرها من ممتلكات خاصة وعامة باعتبارها من آثار الحرب، وثالثها إعادة جميع المؤسسات العسكرية والأمنية والمدنية الجنوبية إلى ما كانت عليه قبل الحرب، ورابعها إلغاء الأحكام على قائمة الـ16 محكوماً عليهم بالإعدام باعتبارها أحكاماً سياسية باطلة، إلا أن مطالب تيار باعوم قوبلت بالرفض داخل أروقة اللجنة المركزية لـ”الحزب الإشتراكي”.
مسيرات
وبعد انهيار تيار “إصلاح مسار الوحدة”، اتخذ باعوم مساراً آخر في نضاله ضد واقع الظلم والاستبداد ونهب الثروات وحكم سلطة الفرد وسواد ثقافة القبيلة التي تعززت بعد الحرب، فقاد من حضرموت مسيرات سلمية ومظاهرات قوبلت بالقمع، اعتقل على إثرها في العام 1997م. ومع تزايد الزخم الشعبي والمسيرات الجماهيرية، أصبح اسم حسن باعوم المطلوب رقم واحد لدى جهاز الأمن السياسي التابع لنظام علي عبد الله صالح، الذي أمر باعتقاله مرة أخرى في العام 1998م، كما دبر له محاولة اغتيال في إحدى المسيرات باءت بالفشل، وغادر على إثرها باعوم مدينة المكلا هرباً من قمع النظام، ليعود لاحقاً رافعاً سقف مطالبه إلى “استقلال الجنوب”.
إعتقال
يعد حسن أحمد باعوم من أبرز مؤسسي الحراك الجنوبي. منذ انطلاقة الحراك كثف باعوم نشاطه، وشرع يتنقل بين مدن ومناطق الجنوب، لحضور اجتماع هنا أو لقاء هناك، وللمشاركة في فعالية في هذه المدينة أو مهرجان في أخرى. وعلى خلفية ذلك، تعرض في العام 2007 م للاعتقال، ومكث في المعتقل قرابة الشهر، ثم عاد لممارسة نشاطه إلى أن جرى اعتقاله من منزل جمال عبد اللطيف عبادي في مدينة كريتر بعدن، عندما داهمت المنزل قوة أمنية أثناء ساعات الليل، وقامت باعتقاله وآخرين، منهم جمال عبادي وعلي منصر محمد وأحمد عمر بن فريد وعلي هيثم الغريب وآخرون.
تم ترحيل هؤلاء بمعية باعوم إلى صنعاء، ليقضوا مدة ستة أشهر في زنازين الأمن السياسي، جرت خلالها محاكمة باعوم في محكمة أمن الدولة، وهي المحاكمة التي قوبلت بالرفض من قبله، حيث ظل يهتف في القاعة أمام القاضي والنيابة العامة، مردداً نشيد: “بلادي بلادي بلاد الجنوب جمهورية عاصمتها عدن”. ولم يكن ذلك الإعتقال الأخير في مسيرة الرجل، الذي ظلت السلطات اليمنية تلاحقه حتى نجحت في اعتقاله مرة أخرى في 31 مارس 2009 في مدينة عدن، أثناء مسيرات داعية إلى الإنفصال، جاءت في أوج الزخم الشعبي الجنوبي للحراك في ذلك العام، بالتزامن مع انطلاق قناة “عدن لايف” من لندن، كنافذة إعلامية تتبنى مطالب الجنوبيين وتصف الوضع في المحافظات الجنوبية بـ”الاحتلال”.
إنشقاق
وإثر تعرضه للتعذيب في سجون صنعاء، غادر باعوم البلاد لتلقي العلاج في رحلة طويلة شملت الصين والنمسا وألمانيا والرياض والقاهرة، ليعود بعدها إلى عدن، باستقبال جماهيري كبير، في مايو من العام 2011م. لكن عودة مفجر الحراك جاءت بخلاف التوقعات للحراكيين، حيث تفاجئت مجالس الحراك الجنوبي بدعوة باعوم إلى عقد مؤتمر خاص لما سمي بالمجلس الأعلى للحراك، في خطوة اعتبرها البعض انشقاقاً صريحاً عن تيار الرئيس الجنوبي الأسبق، علي سالم البيض، ومجلس الحراك الذي كان باعوم يشغل منصب النائب فيه. عصفت الخلافات بين أبناء القضية الواحدة، ودارت رحى الإستقطابات الإقليمية والدولية لتقسم الحراك الجنوبي إلى تيارين رئسين تنضوي تحتهما عدة فصائل أخرى.
“عاصفة الحزم”
لم يصدر موقف واضح من قبل باعوم تجاه “عاصفة الحزم”، خاصة مع اشتداد المرض عليه بحسب مقربين، إلا أن تياره عبر عن موقفه الرافض لخوض حرب بالوكالة، دون ضمانات صريحة للقضية الجنوبية على حد قولهم في بيانات مقتضبة، التزم بعدها التيار الصمت طوال الأحداث، خاصة بعد انتقال زعيمه للاستقرار في مسقط إثر سقوط المكلا بيد “القاعدة”.