منبر كل الاحرار

معارك الساحل الغربي كشفت أن الجنوبيين ليسوا أكثر من حطب لمعركة الغير

الجنوب اليوم | صلاح السقلدي

 

قرابة ثلاثة أسابيع من المعارك، كانت مدة كافية أمام الإمارات العربية المتحدة لأن تعيد مراجعة حساب عمليتها العسكرية الضخمة بالساحل الغربي بالحديدة، بعد تعثر عسكري واضح يدنو من تسميته بالخسارة والهزيمة غير المعلنة. لم تجد الإمارات على لسان وزير دولتها للشؤون الخارجية أنور قرقاش، وهي تعلن إيقافاً مؤقتاً لعمليتها العسكرية بالحُديدة، أفضل من الموضوع الإنساني ومسألة إتاحة الفرصة أمام الجهود الدبلوماسية الدولية لتبرر فيه إخفاقها وخيبة أملها، من الدور المرتعش لقواتها والقوات التي راهنت عليها، وبالذات قوات العميد طارق صالح، برغم الاندفاعة القوية التي أبدتها «القوات الجنوبية» المشاركة، والخسائر المروعة التي قدمتها بشقيها «الحراكي والجهادي السلفي»، وعلى الرغم أيضاً من بسالة هذا الشريك الذي يـساق إلى معركة معصوب العينين كأجير يومي مع المانح.
لا شك أن الإمارات قد اتخذتْ قرار اقتحامها لمدينة الحديدة ومينائها الحيوي، الذي يسيل له اللعاب الإماراتي بغزارة، على قاعدة بيانات عسكرية واستخباراتية مغلوطة، أو في أحسن حال منقوصة ومضلِّلة، أوقعتها في حرب عض الأصابع مع الطرف الآخر «أنصار الله» وفي مأزق (حيص بيص). وتعرضت أيضاً لسقطة سياسية قبل أن تكون عسكرية، بعدما أفرطتْ في الحديث المتفائل عن نصرٍ عسكري خاطف وهزيمة ماحقة للطرف الآخر خلال أيام، وربما ساعات من لحظة الصفر التي حددتها أبو ظبي، الى درجة أن المجتمع الدولي قد غض طرفه عن الجانب الإنساني، الذي ظل يحذر من تفاقمه في حالة حدوث هذه المعركة وتبعاتها المتأتية من توقف ميناء المدينة، الذي تبقى لامنفذ الوحيد أمام إدخال البضائع والأدوية لملايين اليمنيين بالشمال. وراهن المجتمع الدولي على معركة خاطفة وسريعة تعيد الأمور سريعاً إلى أوضاعها الطبيعية، التي تتيح استئناف عمل الميناء، وذلك بعد انتقادات كثيرة من قبل منظمات دولية اشتكت من تخاذله إزاء الوضع الإنساني المروع، بل وراهن -وهو تحت تأثير الضخ الإعلامي الخليجي الكثيف- على أن تكون هذه المعركة واقتحام المدينة بداية النهاية للحرب في اليمن برمتها.
لماذا فشلت معارك الساحل الغربي؟
عوامل كثيرة أفشلتْ العملية الإماراتية، أو لنقل أفقدتها زخمها ومَسَختها، أهمها الحاضنة الشعبية الرافضة لأي حضور إماراتي، بعد النموذج المخيف الذي قدمته الإمارات والسعودية ومعهما السلطة المسماة بـ«الشرعية» في المناطق الواقعة تحت سلطتهم بالجنوب، من أوضاع أمنية مخيفة وتسيب مريع في كل نواحي الحياة، فضلاً عن غياب مظلة الدولة، أيٍّ كان نوع هذه الدولة.
فغياب المؤسسات الرسمية بأي بلد يعني أن البديل هو سيادة الجماعات المتوحشة وسيادة قانون الغاب والفوضى والضياع، وهذا تقريباً ما هو حاصل اليوم في كثير من المناطق الخاضعة لسيطرة «الشرعية»، وتعز مثلاً جليَّاً على ما نقول. هذا علاوة على تخوف الناس بالشمال من سطوة الجماعات المتطرفة، خصوصاً وأن هذه الجماعات لا تخفي توعدها ووعديها ورغبتها بالبطش بالشمال «المجوسي الرافضي»، زد على ذلك المزاج الشعبي الرافض هناك لأي تواجد لقوات غير يمنية، بعد ثلاث سنوات من الأخطاء الجسيمة التي أزهقت أرواح كثير من المدنيين، سواء بالقصف الجوي أو تبعات إغلاق المنافذ.
بالإضافة إلى ما تقدم، هناك أيضاً الطبيعة الجغرافية التي يجهلها المقاتل الجنوبي، وهي كانت من أهم العوامل التي ادت لخسارة المعركة، خصوصاً وأن هذا المقاتل تم وضعه رأس حربة خلال القتال، وبات ضحية المصائد والكمائن والحصار، التي خلًفت العشرات وربما المئات من القتلى والجرحى والمفقودين. وعطفاً على كل هذا، وجدت الإمارات أن هذه الخسائر بصف المقاتل الجنوبي قد تكون نذير شؤم على مجريات المعركة، ومدعاة لانفراط سبحة الشركاء، سيما بعد التململ بالصف الجنوبي من هول الخسائر، فضلاً عن التثاقل الذي لمسه الإماراتيون بصف قوات العميد طارق، ناهيك عن عامل غياب الثقة بينهم وبين هذه القوات من جهة، وبين هذه القوات والمقاتلين الجنوبيين من جهة ثانية، بعد تسرب أخبار كثيرة عن اختراقات «أنصار الله» لصفوفهم، راح ضحيتها، بحسب مصادر جنوبية بأرض المعركة، الكثير من الجنوبيين عبر إرسال إحداثيات للطرف الآخر، هذا بالإضافة إلى الشعور الجنوبي، من أن قوات طارق تسرق «التضحيات» الجنوبية وتوظفها لمصلحتها.
كل هذه العوامل كانت كافية لأن توقف الإمارات عمليتها، أو على الأقل تعيد ترتيب صفوفها لعملية وكرّة ثانية، مع أن مثل هكذا كرّة ستكون باهظة الكُلفة أكثر من ذي قبل، بعدما فقدت الإمارات عُنصريّ المباغتة والاندفاعة الحماسية الهائلة التي كانت حاضرة في العملية الأولى، علاوة عن أن شعلة الاهتمام والدعاية الإعلامية قد خبتْ إلى حدٍ كبير، قياساً بتلك التي شاهدناها مع بداية العملية قبل قرابة ثلاثة أسابيع.
«الشرعية» و«الذيل» الإماراتي
لم يقتصر أمر إرباك إيقاف هذه العملية على الإرباك العسكري فقط، بل تجاوزه إلى السياسي بشكل صادم… فقرار إيقاف العملية لم يأت عبر قنوات سلطة الرئيس هادي، التي تقول إنها الكل في الكل على الأرض وفي أروقة السياسة، بل من قبل الإمارات العربية، وعلى لسان وزير الدولة لشؤون الخارجية أنور قرقراش عبر «تغريدة» على موقع «تويتر». هنا لا بد من الجزم بأن تلك السلطة لم تعلم بقرار إيقاف العملية إلا من صفحة ذلك الوزير، ما يعني ذلك تأكيداً لمصداق القول: إن «هذه السلطة ليست أكثر من ذيل بالمؤخرة الإماراتية»، كما ظلت هذه السلطة تحصر هذه التهمة بـ«المجلس الانتقالي الجنوبي»، حتى وإن أحدثت ضجيجاً هنا وهناك عبر وزير أو وزيرين من وزرائها لصرف الأنظار عن الحقيقة.
فمن قرر إطلاق هذه العملية هو مَن قرر إيقافها، وربما هو من يستأنفها ثانية بحسب مقتضيات مصالحه أولاً وثانياً وثالثاً… وما الأطراف اليمنية الشمالية (طارق صالح) و«الشرعية» تحديداً، إلا كمالة عدد و«أراجوز» سياسي، والجنوبيين ليسوا أكثر من حطب لمعركة الغير… فمَــن قرر خوض هذه العملية بذخيرة بشرية يمنية شمالية وجنوبية، انطلق فقط من مصالحه وأهدافه الاقتصادية والتوسعية، فهو الحاكم بأمره باليمن شماله وجنوبه، ولم يكلف نفسه حتى أن يضع شركائه بالصورة، وهو من يقرر إيقاف عملية تسحق أرواح المئات من البشر، وهو من أوقفها خشية على مصالحه وسمعته، وهو من سيعيد ترتيب البيادق على رقعة مصالحه وأهدافه الطموحة بالمنطقة،وباليمن خصوصاً، لأنه يرى في ذلك مصلحته، فيما يبقى لخزناته المالية المتخمة فعل السحر عند الجياع!

العربي

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com