منبر كل الاحرار

عقدة اليمن في أبجديات الحراك الجنوبي

الجنوب اليوم | مقال

 

بقلم د. شادي صالح باصرة

 

مشكلتي مع أخي المنادي بالإنفصال ليس في قضية الإنفصال ذاتها، ولكن في آليات الإنفصال وغياب الإبداع في أبجديات نضال الحراك الجنوبي. يغيب الإبداع عندما يسمي قادة الحراك جنوب اليمن بدولة الجنوب العربي وهي تسمية بريطانية لدولة تكونت من مجموعة سلطنات ولم تستمر هذه الدولة لأكثر من 10 أعوام، والأهم من ذلك لم تدخل حضرموت (أكبر محافظات جنوب اليمن) هذا الكيان أبدا. فهل يعني هذا أن الحراك يتخلى عن حضرموت ضمن الجنوب المنشود؟ أيضا، كيف يحتفل أصحاب هذه الفكرة بثورة 14 أكتوبر ذكرى التحرير من الإستعمار البريطاني وفي نفس الوقت ينسبون أنفسهم لدولة سماها مندوب سامي بريطاني محتل!! فعلى سبيل المثال هل يظن أن الحضارم وغيرهم من مناطق جنوب اليمن سينسبون أنفسهم لجنوب عربي مجهول ليطمس بهذا حضرميته ذات التاريخ الذي يمتد لألاف السنين!

تناقض آخر لا أستطيع تفسيره يكمن في إستخدام الحراك الجنوبي لعلم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في معظم حشوده وساحاته الثورية وهو العلم الذي يحمل في جانبه مثلث ازرق ونجمة حمراء. فكيف يتغافل الكثير من الجنوبيون عن حقيقة أن العلم يمثل جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وهو الإسم الذي كان يطلق على الجنوب قبل أن تتم الوحدة وفي وقت كان جنوب اليمن يتحلى بإستقلالية القرار في ستينيات القرن الماضي. أليس هذا تناقض غير مبرر، فهل يجب أن ننسلخ عن تاريخنا كشعب حتى نتخلص من الوحدة الإندماجية الظالمة والتي سعينا لها بأنفسنا. لماذا يتحول كل جنوبي لمدرس في الجغرافيا والتاريخ كلما أهم بالإجابة عن السؤال “من أي دولة أنت؟” ليبدأ الجنوبي بإعطاء مقدمة خلدونية عن كيف كان الجنوب دولة مستقله وكيف ازدرى حالة بعد وحدة 90 وبعدها يتم سرد قصه حرب 94 الظالمة وعصابة 7/7، كل هذا حتى يجيب الجنوبي عن سؤال بسيط من أين أنت؟ لماذا يجب أن ننسلخ عن تاريخ اليمن الكبير والذي يمتد لألاف السنين فقط من أجل التخلص من ماضي كنا شركاء في صنعة بإرادة ووعي كاملين عندما دخلنا في وحدة إندماجية غير مدروسة مع الشمال، وقبل أن نعرف علي صالح وعلي محسن وآل الأحمر و الصماد وغيرهم من تلك الكوارث؟. فشأنا ام أبينا، أي وحدة إندماجيه بين شعبين أحدهما 20 مليون والآخر 5 مليون تجعل من الشعب الصغير أقلية داخل الوطن الكبير بل وفي أرضه التي كان يتسيد عليها، هكذا تقول الرياضيات دون التشعب في نظريات المؤامرة وأعداء الجنوب من نخب صنعاء الخ.

لنتعلم من صراع الكوريتين! صراع يهدد السلام العالمي كله!، صراع بين دولة تمثل أكبر اقتصاديات العالم في الجنوب الكوري ودولة في الشمال الكوري أيضا تحوي أكبر ترسانة عسكرية قادرة على خوض حرب عالميه ثالثة لوحدها، ومع هذا لم يلجئ أحد الطرفيين لازدراء هويتهم الكورية، بالعكس يكمن النزاع هناك عن من هو الكوري #الأصلي؟ لماذا نتخلى عن مئات الأحاديث النبوية الشريفة التي تتحدث عن فضل اليمن، ونتخلى عن المواضع التي ذكرت فيها اليمن في الإنجيل والتوراة، بل لو بحتنا وتعمقنا بالبحث ربما أكتشفنا أن الجنوب هو أساس اليمن وغراسه الطيب الذي أشير له بالأحاديث النبوية والذي نرفضه اليوم بالكلية ونقدمه على طبق من ذهب لغيرنا، وماذا عن القناعة الراسخة لدى الإخوة العرب عن كون اليمن هي أصل العرب! فكم ألتقيت من أخوة من ليبيا وتونس والجزائر وموريتانيا وغيرهم الكثير الذين يتفاخرون بجذورهم اليمنية. وبغض النظر عن مدى صحة هذه القصة تاريخيا، فهل يجب أن نرمي كل هذا الإرث الكبير وراء ظهورنا من أجل صراع سياسي و حقوقي. أنظروا إلى دويلات ناشئة مجاورة تدفع المليارات لصنع إرث حضاري من لأشيء فهم إن وجدوا قطعة سيراميك “إيطالية الصنع” في الصحراء لا يزيد عمرها عن 40 عام تقوم الدنيا ولا تقعد ويُحتفظ بها داخل ألواح زجاجية ضخمه في المتاحف لتدلل على حضارة ذلك البلد وتجذره في عمق التاريخ؟. لماذا لا ينادي الجنوبي بدولته الحرة المستقلة بإسمها القديم “اليمن الجنوبي”، بل وليدعي أنه أصل اليمن والعرب قاطبه؟ هذا القصور الإبداعي الساذج أمتد إلى النشيد الوطني لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية “رددي أيتها الدنيا نشيدي” من كلمات عبد الله عبد الوهاب نعمان، وهو نشيد اليمن الجنوبي منذ العام 1979 إلى العام 1990 وهو نشيد جميل بألحان خالدة والذي أعتمد بعد الوحدة بعد تغييرات طفيفة فيه ليكون نشيد دولة الوحدة، بينما كان نشيد الجمهورية العربية اليمنية هو نشيد “في ظل راية ثورتي”. فبدلا من أن يقاضي الجنوبيون الشمال في المحاكم الدولية للإبقاء على نشيدنا القديم بحجة أن الجنوب صاحب الملكية الفكرية للنشيد، تخلى الجنوبيون عن هذا النشيد وهو ملكا لهم “ببلاش” وأستعاضوا عنه بنشيد متواضع رديء يتحدث عن “موطني الجنوب” فلا يحدد أين هذا الجنوب التائه في هذه الكرة الأرضية التي يشكل نسبة الأراضي الجنوبية فيها 32% بما في ذلك القارة القطبية الجنوبية… برأيي، لا يجب أن يقودنا الغضب إلى التخلي عن كل ما هو جميل فقط لإظهار حنقنا على الآخر ولأن ماضي الوحدة كان مؤلما لجنوب اليمن وأبناءه بكل ماتعنيه الكلمة من معنى لايكون الحل بهذه الطريقة بالمطلق.
*بهذه العاطفة* دخل الجنوب الوحدة الإندماجية الخاطئة دون تخطيط، وبها مره أخرى نصنع جنوب دخيل مجهول النسب والهوية، نعول على الجيل الشاب ليكونوا أكثر إبداعا من آبائهم في نضالهم السلمي والكفاح العادل من أجل حقوق أهلنا المشروعة في جنوب اليمن.

.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com