ثورة اكتوبر من شرارة لبوزة إلى فدائية عبود .. الثورة تعود من جديد
الجنوب اليوم | العربي
في ظل ما يعانيه اليمن شماله وجنوبه، تحولت الذكرى السنوية لثورة الـ 14 من أكتوبر المجيدة إلى محطة إلهام سنوية، يستلهم منها أبناء الشعب اليمني الدروس والعبر، ويستذكر فيها واحدية الكفاح والنضال والهدف لثورتي «26 سبتمبر» و«14 أكتوبر».
تحتفل صنعاء كغيرها من المحافظات اليمنية بالذكرى الـ 55 لثورة الـ «14 من أكتوبر» التي انطلقت شرارتها الأولى من جبال ردفان الشماء، ولم تنطفئ إلا برحيل آخر جندي بريطاني من أرض الجنوب في الـ 30 من نوفمبر 1967م.
إلا أن الاحتفال بذكرى «ثورة أكتوبر» لم يعد يوماً وطنياً ينتهي بانتهاء المراسيم المعتادة التي تبدأ بخطاب رسمي وتنتهي باحتفالات مركزية ومحلية، في ظل التقاسم المكشوف بين دول «التحالف» لثروات ومقدرات الجنوب، وتفتيت الوحدة الاجتماعية والسياسية للبلد، بل بات محطة سنوية يتذكر فيها اليمنيون
اريخاً بطولياً وأسطورياً سطَّره الآباء بدمائهم الزكية، في سبيل تحرير الأرض والإنسان من إمبراطورية لم تكن تغيب عنها الشمس، وبإرادة الأحرار تحرر الجنوب من الاستعمار، ونالت استقلالها الكامل على كامل ترابها الوطني لتغيب شمس عدن عن إنجلترا.
شرارة أكتوبر
ثورة الـ 14 من أكتوبر 1963م، انطلقت شرارتها في جبال ردفان، ولكنها خططت في صنعاء، فبعد اندلاع «ثورة 26 سبتمبر» في شمال الوطن، هب أحرار الجنوب من كل حدب وصوب للدفاع عن الثورة التي أطاحت بالنظام الملكي، وأعلنت قيام الجمهورية الأولى في صنعاء.
من أبرز تلك القيادات الجنوبية كان الشيخ راجح بن غالب لبوزة الذي اتجه برفقة 150 مقاتلاً من قبائل يافع نحو صنعاء للدفاع عن الثورة، ليقاتل دفاعاً عن سبتمبر في عبس والمحابشة بمحافظة حجة.
بعد 6 أشهر طلب لقاءً بالرئيس عبدالله السلال، رئيس الجمهورية الوليدة في الشمال ومستشاره لشؤون الجنوب قحطان الشعبي، وأثناء عودة لبوزة من صنعاء عبر قعطبة وصولاً إلى ردفان بمحافظة لحج، تلقى رسالة من الضابط السياسي البريطاني في لحج طالبه بتسليم سلاحه ورفاقه ودفع غرامة قدرها 500
لن، والتعهد بعدم العودة للقتال في جبهات الشمال، محذراً من أنه إذا لم يستجب للمطالب فسوف تتخذ سلطات الاحتلال عقوبات قاسية ضده ورفاقه. ووفقاً للمصادر التاريخية، فإن الشهيد لبوزة أعاد الرسالة في ظرف مضاف إليها الجواب الذي كان «رصاصة»، وهو ما دفع الإنجليز إلى إرسال تعزيزات عسكرية
كبيرة إلى ردفان في الـ 14 من أكتوبر، لتنطلق شرارة «أكتوبر» من جبال ردفان، في تلك المعركة التي انتهت باستشهاد الشيخ راجح غالب لبوزة، إثر إصابته بشظية مدفع في يوم 14 اكتوبر 1963م عن عمر 46 عاماً.
بعد استشهاد لبوزة تصاعدت عمليات «ﺍﻟﺠﺒﻬﺔ ﺍﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﻟﺘﺤﺮﻳﺮ ﺍﻟﺠﻨﻮﺏ» التي أعلن عن تشكيلها في صنعاء، وأقرت والانتقال إلى مرحلة الكفاح المسلح.
عبود ورفاقه
بعد انطلاق شرارة أكتوبر من ردفان، كان أبناء الشمال حاضرون في كل مراحل الكفاح المسلح ضد بريطانيا، التي حاولت إخماد الثورة «الأكتوبرية» مستخدمة القوة المفرطة، حيث شنت حملات عسكرية غاشمة حينذاك استمرت نصف عام على ردفان، وارتكبت أبشع الجرائم، كما نفذت سياسة «الأرض المحروقة» مستخدمة الطيران في تدمير وإحراق كل ممتلكات المدنيين.
وعلى الرغم من البطش البريطاني، استمر التصعيد الثوري في الكفاح، وانتقلت المواجهات من جبال ردفان ووديانها إلى عدن، وانخرط المئات من أبناء الشمال في حركة الكفاح المسلح ضد المستعمر البريطاني.
كانت تعز وصنعاء مقراً للتدريب العسكري، وتصاعدت العمليات الفدائية ضد المستعمر، وقد نفذ بعضها فدائيون من الشمال، وهو ما أدى إلى اتخاذ سلطات الاحتلال قراراً عام 1965م، قضى بإبعاد 245 مواطناً ينحدرون إلى المحافظات الشمالية، بعد ذلك تولى المبعدون مهمة جمع التبرعات من المناطق الشمالية لدعم ثوار «أكتوبر» وحشد المقاتلين.
تضحيات أبناء الشمال ضد المستعمر البريطاني لا تزال شاهدة على واحدية الثورات اليمنية، ولعل من أبرز تلك القيادات التي لا يزال دورها محفوراً في ذاكرة التاريخ في الجنوب، القائد الفدائي مهيوب علي غالب الشرعبي، الشهير بـ«عبود»، والذي ينحدر إلى مخلاف في تعز، والذي وصفته بريطانيا حينذاك بأخطر فدائيي الجنوب.
منذ مقتل «عبود» يوم السبت 11 فبراير 1967م، أثناء تنفيذيه عملية عسكرية كبيرة أودت بحياة العشرات من القيادات الموالية لبريطانيا، وقتل العشرات من الجنود والضباط البريطانيين في مدينة الشيخ عثمان، يحتفل الجنوب في ذكرى رحيله بشهداء «أكتوبر» كل عام، ولا يزال اسم «عبود» يطلق على معسكرات ومنشآة أمنية وخدمية في عدن، تخليداً لدوره الوطني.
الكثير من اليمنيين يعتبرون أن ما حدث من إبعاد مهين للآلاف من أبناء الشمال من الجنوب، من قبل قوى جنوبية موالية للإمارات خلال العامين الماضيين، لا يختلف كثيراً عن ممارسات الاحتلال البريطاني ضد أبناء الشمال خلال «ثورة أكتوبر»، ومع ذلك يبدي الآلاف من أبناء الشمال اليوم استعدادهم لمشاركة أبناء الجنوب في تحرير المحافظات الجنوبية من السيطرة والاحتلال الإماراتي السعودي.
ذكرى لثورة جديدة
عضو المكتب السياسي لحركة «أنصار الله» سليم المغلس، عبَّر عن أسفه بأن «تأتي ذكرى ثورة الـ 14 من اكتوبر، وجزءً من الوطن تحت الاحتلال الجديد القديم، وجزءً من شعبنا قابع تحت ظلمه وسطوته وجبروته».
وأكد في حديث إلى «العربي»، أن «المستعمر القديم هو نفسه المستعمر الجديد، سيما وأن القوى الكبرى وعلى رأسها امريكا وبريطانيا هي من ترسم الخطط ومن تنفذ المشاريع الاستعمارية»، مشيراً إلى أن «أحد الأطماع والتحركات العسكرية الامريكية والبريطانية التي كشفت تتمثل بأن واشنطن ولندن يهدفان إلى بناء قواعد عسكرية في المحافظات الجنوبية».
ولفت المغلس إلى أن «الذكرى الـ 55 لثورة أكتوبر، تعد مناسبة سنوية هامة تسهم في رفع مستوى الوعي الشعبي بأهداف المستعمر وأطماعه ومساعيه للسيطرة على الأرض والثروة، والتحكم بالممرات المائية الدولية لليمن»، متهماً «التحالف» بتنفيذ «أجندة استعمارية خطيرة أصبحت اليوم مكشوفة واليمن جنوباً وشمالاً».
وأكد أن ممارسات «التحالف» العبثية في الجنوب طيلة 3 سنوات ماضية، «أوجدت وعياً رافضاً للاستعمار»، مشيراً إلى أن «ما يحدث من غليان شعبي مناهض للإمارات والسعودية، يعد بداية مخاض لمولود ثوري قادم سيحرر الأرض والإنسان اليمني من المستعمر الجديد».
واعتبر عضو المكتب السياسي لحركة «أنصار الله» أن «كل ما يحدث اليوم في الجنوب من احتقان شعبي، يشبه الإرهاصات التي سبقت ثورة الـ 14 من أكتوبر 1963م، بل هو أكثر منها سخونة وأسرع حركة».
وعبَّر عن اعتقاده أن «الذكرى الـ 55 لثورة 14 أكتوبر ستمثل منحنى تاريخياً هاماً، وستبدأ مرحلة جديدة من مراحل النضال الثوري ضد الاستعمار والاحتلال في المحافظات الجنوبية والشرقية، يتوج بطرد المحتل الاجنبي وإفشال مشاريعه وتلاحم أبناء شعبنا بكل مكوناته، لتقرير مصيرهم بعيداً عن إملاءات الخارج.