«الكنج» و«سقراط» و«أميتاب» و«شاروخان» و«الأسطورة» ومثلهم المئات من شباب عدن والجنوب، تخلوا عن ألقابهم وأحلامهم المنتمية للمدنية وروح العصر، وحملوا السلاح لمواجهة «أنصار الله» وحلفائها في العام 2015م. تحت يافطة «المقاومة الجنوبية» تصدروا خطوط المواجهات الأمامية، وقدموا التضحيات في سبيل «الإستقلال واستعادة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية»، لينقشع غبار المعارك عن تراجع مقاتلي «أنصار الله» وحلفائهم إلى حدود ما قبل العام 1990م في العديد من الجبهات بالمحافظات الوسطى، لكن الآلاف من أبناء الجنوب اليوم يمثلون وقود معارك خارج حدود الجنوب واليمن معاً.
في نجران 
في معسكر الخضراء بنجران يتلقى المئات من أبناء الجنوب الدروس عن جهاد «الروافض» والدفاع عن مكة والمدينة. ويتابعون قناتي «وصال» و«رشد»، ويستمعون لمحاضرات شيوخ السلفية الوهابية وأناشيد «صليل الصوارم» و«العهد يا دماج» بصوت أبو أسيد المدني وأبو هاجر الحضرمي. يعتلون المدرعات والأطقم السعودية، ويجتازون منفذ البقع لقتال «أنصار الله».
هناك، في جبال عليب وسلاطح والسنترال والشبكة، سُفكت دماء الكثير منهم، لتعود جثامين البعض في توابيت إلى مطار عدن، والبقية في مقبرة لا زوار لها بمنطقة شرورة. ليست هذه النهاية التي كانت تنتظرهم، ولكنه الفقر الذي أوقعهم في مصائد تجار الحروب ووكلاء الخارج للزج بهم في المعارك الخطأ.
تلاميذ الحجوري
في العام 2013م، عاد مهران القباطي وبسام المحضار ورداد الهاشمي وياسر الحارثي، تلاميذ الشيخ يحيى الحجوري، من محافظة صعدة إلى مدينة عدن، بعد أن أخرجتهم «أنصار الله» منها بالقوة مع أكثر من 10 آلاف سلفي، وأغلقت «دار الحديث» التابعة للشيخ مقبل بن هادي الوادعي بدماج، والمراكز المحلقة به في كتاف البقع.
عاد الأربعة خطباء مساجد ووعاظاً في مساجد السلفية بعدن والجنوب، وتبعهم المال والسلاح السعودي إلى هناك، وهو ما مكنهم من استقطاب آلاف من الشباب العاطلين عن العمل. وما ان انتهت حرب «التحالف» و«المقاومة الجنوبية» في عدن، حتى صارت للأربعة معسكرات في الممدارة ومزارع جعولة وساحل البربرية في البريقة ومصنع الغزل والنسيج.
واليوم، بسام المحضار قائد محور البقع، وقائد كتائب المحضار التابعة للواء الثاني – حماية رئاسية. ومهران القباطي قائد اللواء الرابع – حماية رئاسية بعدن. وياسر الحارثي قائد «لواء الفتح» الذي يعسكر في نجران ويقاتل في البقع، ورداد الهاشمي أركان حرب «لواء الفتح». تتولى معسكرات السلفيين في عدن إرسال المقاتلين إلى نجران.
وبحسب مصادر موثوقة، تحدثت إلى «العربي»، فإن «الشباب في الجنوب يتم استقطابهم إلى هذه المعسكرات، ومنها إلى نجران، عبر المساجد التالية: مسجد السلام في الشيخ عثمان، والجامع الكبير في البريقة، ومسجد بلال في مديرية الريدة، ومسجد السنة بحصوين في المهرة، ومسجد السلفي برضوم، ومسجد السنة بعتق، ومسجد الخلوة بلبعوس يافع، ومسجد اليهشم بمنطقة الهجرين، ومسجد السنة في تريم، ومسجد الحبيل بمودية». وكشفت المصادر أن كلاً من «هاشم السيد وأبو عمار العدني وزهدي بن مخاشن وأبو عيسى وحسين بن شعيلة هم من يتولون إرسال المجندين إلى نجران، بالتنسيق مع السعودية»، التي، وفقاً للمصادر، «دفعت لهم أموالاً طائلة مقابل ذلك».
معاملة سيئة 
يكتظ المستشفى العسكري في نجران بالقتلى والجرحى من شباب الجنوب. في الشهور الثلاثة الأولى لفتح جبهة البقع، كانت السعودية تسلّم لأسرة كل قتيل من الجنوب 100 ألف ريال سعودي، وللجريح 25 ألف ريال سعودي. بعدها، وبحسب إفادات عدد من الجرحى الذين تحدثوا إلى «العربي»، أوقفت السعودية دعمها المباشر لجبهة البقع ومعسكرَي كتائب المحضار و«الفتح» في نجران، وتتولى حالياً الحكومة «الشرعية»، ممثلة بمستشار الرئيس عبد ربه منصور هادي لشؤون القوات المسلحة، مشرف جبهات الحدود، اللواء علي حميد القشيبي، وقائد محور صعدة، عبيد حمد بن فنيس الأثلة، استلام وصرف الدعم المالي. ومن وقتها، تأخرت المرتبات، وتغيرت للأسوأ معاملة الجرحى في المستشفيات السعودية، وتم إخراج البعض منهم ولمّا يكملوا علاجهم.
مقبرة جماعية
أكثر من 500 مقاتل من أبناء الجنوب لقوا مصرعهم في جبهة البقع، بحسب مصادر موثوقة، أكدت، لـ«العربي»، أن الطائرات السعودية لم تعد تقلّ جثامينهم إلى مطار عدن كما كان الأمر في الشهور الأولى. سائق شاحنة تجر ثلاجة لنقل البضائع من وإلى السعودية عبر منفذ الوديعة يقول لـ«العربي»: «في يونيو الماضي أوقفتني إحدى النقاط السعودية في الخط الدولي بنجران، وسألني الضابط السعودي ما الذي في البراد، فأجبته بأنه فارغ. عندها طلب مني أن أتبعه بالشاحنة، فمضيت خلف الدورية التي تقله إلى المستشفى العسكري بنجران، ودخلنا من البوابة الخلفية، ليتم ملء براد الشاحنة – الثلاجة – بـ60 جثة لعسكريين يمنيين وأنا ملتزم الصمت. بعدها توجهت خلف الدورية إلى شرورة، وهناك وجدت سلفيين من اليمن بجوار جرافة، فتحوا البراد وأنزلوا الجثث إلى حفرة عميقة، لتساوي الجرافة الأرض فوقهم بالتراب، ويطلب مني الضابط السعودي المغادرة. أبلغت رب العمل، فقام ببيع البراد وشراء آخر للشاحنة».