عامان ونصف عام من الحرب التي تقودها السعودية في اليمن، لم تنهِ «الإنقلاب» ولم تعد «الشرعية» إلى صنعاء. بل جلبت معها الفقر وتفشي الأوبئة والفساد، وتحولت حروب «التباب» في أكثر من جبهة إلى تجارة. ولم يعد الغالبية من المقاتلين في صف «الشرعية» في نهم ومأرب يفكرون في التقدم صوب صنعاء.
ضابط رفيع في المنطقة العسكرية الثالثة بمأرب قال، لـ«العربي»، إنه «من بداية العام 2016م إلى منتصف أغسطس الجاري، قدم الجيش الوطني والمقاومة 1800 شهيد، وأكثر من 8 آلاف جريح، بينهم 1200 أصيبوا بإعاقات دائمة، ورغم هذه التضحيات الجسيمة لم يتقدم الجيش والمقاومة شبراً واحداً في نهم وصرواح وهيلان، بسبب الخيانات وتسريب المعلومات والإحداثيات بتحركات الجيش والمقاومة إلى الإنقلابيين».
وأضاف أنه «رغم مئات الجرحى والمرضى الذين يترددون يومياً على هيئة مستشفى مأرب العام، إلا أنه يفتقد لجهاز أشعة مقطعية بـ350 ألف دولار، لكن الجهاز متوفر في مستشفى يتبع مسؤولاً مالياً في الجيش الوطني، افتتحه قبل أشهر من مخصصات المقاتلين، وبمواصفات وأجهزة لا توجد في مستشفى مأرب العام».

عملة جديدة
لم يتسلم منتسبو «الجيش الوطني» الموالي للرئيس هادي، في مأرب والجوف ونهم، مرتباتهم منذ مارس 2017م. وصار بيع «الذخيرة» هو البديل للضباط والجنود للحصول على الأكل والشرب وأعشاب القات. أحد الجنود في المنطقة العسكرية السادسة في الجوف يقول، لـ«العربي»، إن «المعابر هي اليوم عملتنا الوطنية، نبيع 4 معابر عند أبو حمدان لتجارة السلاح والصرافة والعسل في مدينة الحزم بـ1000 ريال يمني، ونشتري قات، ونبيع 10 معابر ونشتري صبوح وغداء وعشاء، ونتلاقى مع مرافقي قادة الكتائب والألوية عند أبوحمدان… كلنا نبيع ذخيرة».
وعن السبب في عدم إحراز «الجيش الوطني» تقدماً في جبهات الجوف، يجيب بالقول إنه «ما عاد فيش حرب، كيف أقاتل والضباط معهم قاطرات وعمارات وسيارات آخر موديل، وكلما دفعوا بنا للجبهة نقرح بقليل معابر ونطلب ذخيرة جديدة نتصرف بها وهذا حالنا».
جنود في المطاعم
وكما يباع دعم «التحالف» العسكري في مدينة الحزم بالجوف، كذلك الحال في مدينة مأرب، حيث «سوق أبو علي» لبيع الذخائر وجميع أنواع الأسلحة والقات. بنادق «جي ثري»، «Ak»، «نيمس»، «شتاير»… أصناف دخلت كشحنات دعم لـ«الجيش الوطني» من السعودية إلى مأرب عبر منفذ الوديعة، وجميعها تباع في «سوق أبو علي» وسط المدينة.
وفي هذا السياق، كشفت مصادر، لـ«العربي»، عن اختفاء عشرات الأطقم مع الرشاشات التي تحملها من معسكرات «الشرعية» في مأرب والجوف، وإبلاغ قيادة «التحالف» بأنه تم تدميرها في المواجهات مع «أنصار الله».
عمائر وفلل فارهة وتوسع عمراني في مدينة مأرب بكل الإتجاهات. مطاعم واستراحات ومحلات حلاقة وحلويات غالبيتها تتبع قادة عسكريين في «الجيش الوطني»، والعاملون فيها مدرجون في سجلات الجيش والأمن. وتقول مصادر إن العقيد محمد هزام، نائب مدير دائرة التوجيه المعنوي، يتسلم رواتب ومستحقات 130 جندياً، وجميعهم يعملون في مطاعم وبوفيات تابعة له بمدينة مأرب.
تكرار الفشل
الفساد المقترن بمسؤولي «الشرعية» أوصل جبهات القتال التابعة لها إلى ما يشبه برك المياه الآسنة. ولم تعد تجدي معها المطالبة بـ«إصلاح مسار الشرعية»، والتي تضمنها «إعلان القاهرة» للتنظيم «الناصري» والحزب «الإشتراكي» في الـ11 من أغسطس الجاري. ففي العام 2012، برزت تكتلات للمطالبة بـ«إصلاح مسار الثورة الشبابية»، بعد أن عقدت الأحزاب التي ركبت موجة الثورة صفقة رعتها السعودية لتقاسم السلطة مع نظام صالح، وتشكلت بموجبها «حكومة وفاق» كانت أولى مهامها الدفع بالجرافات لإزالة خيام «الثوار» المهترئة من ساحة التغيير في صنعاء، بحجة قطع الطريق وتكدس النفايات.