ففي الوقت الذي كان يشترط فيه الرئيس السابق، صالح، على كل من يتهافت من الجنوبيين على المناصب والمكاسب المالية والعينية، أن يكون تركزيهم الأساسي منصباً على الإساءة للحراك الجنوبي، والتشهير به كثورة ورموز وقيادات، في محاولة منه لكبح جماح هذا الحراك الثوري، وتقويض عزيمته السياسية والوطنية، نرى اليوم الرئيس هادي يشترط على كل جنوبي، سواءً من قيادات الصف الأول في الثورة الجنوبية أو حتى الأخير، من الطامحين لمنصب أو مكسب، أن تكون سهام إساءاتهم ورماح هجومهم مصوبة مباشرة نحو «المجلس الإنتقالي الجنوبي»،

كمؤسسة سياسية جنوبية، وعلى أعضائه، بل وعلى كل جنوبي لا يرى في شرعية هادي غير سلطة مخادعة تحتال على الجنوب وتستغل قضيته لقضاء وطرها السياسي منه لتنفيذ مشروعها التآمري على الجنوب، وهو مشروع الدولة الإتحادية المزعومة (الستة أقاليم)، الذي يستميت هادي في تكريسه على أرض الواقع، لشطر الجنوب إلى قسمين، والإجهاز بالتالي على القضية الجنوبية التي ولدت من رحم الغزو العسكري الشمالي على الجنوب عام 94م، والذي كان هادي أبرز رموزه ومن كبار مسعّريه. وإذ رفض الجنوب هذا المشروع البائس قبل الحرب 2015م، فكيف له اليوم أن يقبله بعد الحرب، وقد جرت في النهر كل هذه المياه، وتشكلت خارطة سياسية مختلفة تماماً عن أوضاع ما قبل هذه الحرب؟
ليس شرط الهجوم على «المجلس الإنتقالي» هو الوحيد، الذي يشترطه هادي والفئة الجنوبية المتمصلحة التي تحيط به على كل جنوبي يطمح لمنصب أو مكسب، ولا تدبيج مقالات المديح الرخيصة التي لم يعد لها رواج بعد أن كثر أصحابها وطال وقوفهم على أبواب الإنتظار، بل تجاوز إلى ما هو أبعد وأخطر من ذلك، وفاق وتفوق على سلفه صالح بهذا الأسلوب الشيطاني التدميري، ونقصد هنا اشتراطه، أي هادي، ألا يتوقف أي هجوم أو إساءة أو تشهير على الجانب السياسي في «المجلس الإنتقالي الجنوبي» فقط، بل أن يطال الجانب الجهوي الجغرافي أيضاً. وعادة ما يشترط هادي والفئة الجنوبية المتمصلحة المحيطة به، على كل جنوبي طالب منصب أو مكسب، أن يكون هجومه وإساءته على تاريخ منطقته الجغرافية، أو تاريخ ورموز منطقة جغرافية مجاورة له، حتى تبدو الحبكة أكثر إتقاناً، وتؤتي أكلها بشكل أكثر فاعلية.
قد ينجح هادي كما نجح سلفه، لبعض الوقت، في إثارة حالة من البلبلة في صفوف الثورة الجنوبية، ولكنه، ومن واقع تجارب الماضي، لن يحصد غير الخيبة، هو وكل طالبي المناصب الذين نراهم اليوم يشدون رحالهم إلى فنادق الرياض للظفر بقرارات تعيين في مناصب زئبقية هلامية، في بلد لا وجود فيه للدولة والمرافق من أساسها، بل هي دولة سلطتها وحكومتها هاربة في بلاد الغير، ناهيك عن مناصب ومراتب افتراضية لا تساوي قيمة حبرها وورقها.