هكذا ظهرت قيادات في حكومة «الشرعية» عندما أرادت أن تسوّق لنفسها، في المكان الخطأ، وفي التوقيت الخطأ، لدى مشاركتها في حفل فني ساهر أحياه الموسيقار أحمد فتحي وابنته بلقيس، أمس الأول، في العاصمة المصرية القاهرة.
قرابة ألفي شخص احتشدوا في مسرح الاحتفال، ومعظمهم من أعضاء الجالية اليمنية في القاهرة، لم يدر بخلدهم من أقام الحفل ولماذا أقيم؟ ومن هم كبار ضيوفه؟ كان همهم التنقيب عن الأماكن التي يستأنسوا فيها بفرحة العيد، لنسيان جروح الحرب الغائرة في وجدانهم مؤقتاً، وعندما علموا بأن الموسيقار أحمد فتحي وابنته بلقيس سيقيمان حفلاً فنياً يصدحان خلاله بأصواتهما في سماء القاهرة بأغان يمنية، قرروا شد الرحال من مختلف بقاع المحروسة إلى مسرح الصوت والضوء بالهرم، وما هي إلا لحظات بعد دخلوهم إلى المسرح، ليتفأجاوا بتسلل عدد من وزراء حكومة هادي مثل اللصوص للجلوس في مقدمته، هرج ومرج ساد المسرح، بين مصدق وغير متوقع بأن تبلغ الجرأة والوقاحة بالوزراء أن يزاحموهم حتى في هامش الفرحة الضئيل الذي تبقى لهم، وينكدوا عليهم بهجة العيد، بعد أن ساهموا بفشلهم السياسي وفسادهم المالي والإداري بانجراف اليمن نحو المجهول ولعبوا دوراً رئيساً في عرقلة كل المبادرات التي كان من شأنها أن تمهد لإيقاف الحرب.

ببدلاتهم الفخمة وهندامهم الأنيق، وابتسامات عريضة ووجوه ناعمة لا توحي بأن أصحابها مسؤولون في بلاد تعاني من ويلات الخراب والدمار وانتشار الأوبئة الفتاكة والفقر والمجاعة، بدأ وزير الخارجية عبد الملك المخلافي ونائب رئيس الوزراء، عبد العزيز جباري، وممثل اليمن في الجامعة العربية، رياض العكبري، الاحتفال بالسهرة، بالتمايل وهز الأكتاف على نغمات الموسيقى، ونفخ الأوداج ونفش الريش مثل الطاووس فوق كراسيهم كلما اقتربت منهم عدسات الكاميرا، غير عابئين على الإطلاق بحشرجة الأصوات التي بدأت تعلو من وراء ظهورهم، رفضاً لحضورهم الحفل، وعندما تم استدعاؤهم للمنصة لتكريم من شاركوا في الحفل، ومن بينهم فتيات حسناوات يلبسن ثياباً مثيرة، أسرفن في التظاهر بالعنج أمام جوقة هادي، أطلق مواطن يدعى مدحت السقاف صرخة من بين الحضور، مطالباً برحيلهم والإكتفاء بما زرعوه في نفوسهم من مرارة وحزن، مذكراً بمعاناة اليمنيين في الداخل حيث لا ماء ولا كهرباء ولا رواتب ولا بصيص أمل لنهاية الحرب، وسرعان ما علت الأصوات التي أيدته، ومن بينها كلمات بحت بها حناجر مصرية أنثوية، تساءلت باستغراب: «دول باينهم بجم، صحيح اللي احتشوا ماتوا».
أول المسؤولين الذين حاولوا كبح جماح الانتقادات العنيفة التي بدأت تلاحقهم مثل ظلهم بعد حضورهم الحفل، كان عبد الملك المخلافي الذي تحدث عن تعرضه لضغوط دبلوماسية لتشريف «الحفل الخيري»، وتلبية دعوة بعض السفراء المكرمين فيه، وبعد أن أدرك طاقم هادي أن محاولاتهم اليائسة لكسب متعاطفين إلى جوارهم لمواجهة الحملة التي يبدو أنها أحرجتهم، اتفقوا على إجبار ملحق شؤون المغتربين في سفارة اليمن في القاهرة، إبراهيم الجهمي، الرجل ضخم الجثة أصلع الرأس الذي ظهر في معظم الصور على المنصة، على أن يكون كبش الفداء، فادعى الأخير في توضيح صحافي أنه «الشخص الوحيد الذي يتحمل كامل المسؤولية عن الأخطاء التي سجلت في الحفل» وأنه «مستعد لتلقي سهام الانتقادات، وأن لا تتخطى غيري من ضيوف بلادنا المتواجدين في مصر».
وذكر الجهمي أن الوزراء كانوا موجودين في القاهرة لقضاء إجازة العيد، وحضروا الحفل إلى جانب «عدد من الشخصيات الوطنية المؤيدة للشرعية، وحتى من غير المؤيدة للشرعية». إخفاق ملحق شؤون المغتربين في سفارة اليمن في القاهرة في تمرير تبريراته على الجمهور، أجج الغضب عليه وعلى حكومة هادي، ومنح منتقديها نفساً في تصعيد الهجوم ضدها وتدوير زواياه باتجاهات عدة، سياسياً، وأخلاقياً، وإنسانياً.

مواطن يمني يعترض أثناء الحفل على تواجد وزراء حكومة هادي

أحيى الحفل الفني الساهر الموسيقار أحمد فتحي وابنته بلقيس