وعلى الرغم من ذلك الرصيد النضالي، تعيش المحافظة اليوم أسوأ أيامها. فوضى وانفلات كبيران تبدأ مظاهرهما من ممارسات العصابات المسلحة التي تفرض أتاوات على السكان، ولا تنتهي بعمليات الإغتيال التي كان آخرها اغتيال القيادي في الحراك، المهندس عبد الله الضالعي، الذي مثل مقتله صدمة كبيرة للأهالي وللجنوبين بشكل عام، خصوصاً أن الجريمة ارتُكبت في وضح النهار، وفي مدينة تصنف على أنها الأكثر أمناً واستقراراً منذ «تحريرها».
والمهندس عبد الله الضالعي، عضو اللجنة الفنية لـ«المجلس الإنتقالي»، وعضو اللجنة المركزية للحزب الإشتراكي اليمني، هو مهندس مدني في مكتب الإسكان بالضالع. وبحسب حديث أحد أصدقائه إلى «العربي»، فإن «الضالعي أحد القيادات الحراكية المعتدلة، ورجل التوافق، الذي كان يركز بجهوده على تقريب وجهات النظر بين مكونات الحراك دوماً ويدعوها إلى التوافق».
وطبقاً لمصادر سياسية في المحافظة تحدثت إلى «العربي»، فإن «حادثة اغتيال المهندس عبد الله، على الرغم من أنها لم تكن الجريمة الأولى، لكنها العملية النوعية التي أراد قاتلوه من خلالها إيصال رسالة بأن ثمة وضعاً جديداً لا يمكن تجاوزه، وأن هذه الجماعات المسلحة المختلفة لا تحتكم لأي نظام أو قانون، ولا تستطيع أي قوة إيقافها لما تملكه من إمكانيات عسكرية ثقيلة تفوق إمكانيات أجهزة الأمن، وربما تتعدى ذلك إلى ما هو أخطر عبر تجنيدها لعناصر يدينون بالولاء لها، وتديرهم هي داخل جهاز إدارة أمن الضالع نفسه. والقيادة التي يفترض أنها الأولى في المحافظة والمعنية بضبط كل ما يجري من فوضى عاجزة عن فعل أي دور، ولا سلطة لها، ولا صوت يعلو فوق صوت المليشيات».
وتؤكد المصادر أن «من يحكم الضالع اليوم مليشيات مسلحة عديدة، راكمت بفضل الحرب سلاحاً وذخيرة، أقلها السلاح الشخصي، وأضخمها الدبابات التي يمتلكها الكثير من الأشخاص الذين يتزعمون مجموعات مسلحة، ويمارسون أعمالاً خارجة عن القانون تحددها طبيعة ولاءاتهم المختلفة»، مضيفة أن «هناك غياباً تاماً لأجهزة الأمن، وأن شباباً صغاراً من المقاومة أمسكوا بالأمن وعبثوا فيه، شباب صغار السن لا يعرفون ما هي وظيفة الأمن، في حين منتسبو وزارة الداخلية كلهم في البيوت».
تتابع المصادر أن «الضالع تعيش ظاهرة سيئة، هي الإعدام خارج نطاق النظام والقانون وخارج إطار القضاء، تحت مبرر القصاص، والمليشيات المسلحة صارت تقدم نفسها كقضاء وكسلطة تأمر وتنهي وتنفذ أحكام إعدامات بدون أي محاكمات ولا محاكم ولا قضاء ولا شيء من هذا القبيل»، موضحة أن «أي شخص يرتكب جريمة قتل، أياً كان نوعها وشكلها، تقوم المجاميع المسلحة بقتله وتنفيذ حكم الإعدام بحقه بطريقة همجية». ظواهر تضاف إليها ظاهرة هروب السجناء، وخاصة المتهمين بالقتل، بشكل متكرر وملفت. ووفقاً لمصادر في المحافظة، فإن ظاهرة هروب سجناء متهمين بقضايا مدنية وشخصية تكررت عشرات المرات، وتم التعامل معها ببرود ومن دون دون محاسبة.

أكثر من ذلك، بعض المليشيات يتلبس لبوساً رسمياً، كحال اللواء 33 مدرع، الذي يقع مقر قيادته في معسكر الجرباء، ويبلغ عدد مجنديه اثني عشر ألف مجند، لكنه لا يقوم بأي وظائف عسكرية، ويقتصر حضور مجنديه على نهاية كل شهر لاستلام رواتبهم، فيما تبرر قيادته موقفها بأن ملف الأمن ليس من اختصاصها، وأن تدخلها لتثبيت الأمن والاستقرار سيوقعها في مشاكل كثيرة هي في غنى عنها. أما المحافظ فقد صار عاجزاً عن فعل شيء، ناهيك عن أنه لا وكلاء ولا وكلاء مساعدون لهذه المحافظة، كبقية المحافظات الأخرى.
وبالنسبة لوزارة الداخلية، وبحسب تفسير مصادر عسكرية، فأنها صارت تلعب دوراً سلبياً. تفسر المصادر ذلك بأن الصراع السياسي والعسكري الذي يعصف بالجنوب بشكل عام قابل للاستثمار، لذا تحولت وزارة الداخلية إلى مصدر لتعزيز دور المليشيات وتشجيعها، بهدف إضعاف القيادات العسكرية المحسوبة على الضالع والمتواجدة في عدن كما يعتقد كثيرون. وبدلاً من دعم أجهزة الأمن في المدينة لتقوم بواجباتها، تذهب وزارة الداخلية إلى تعزيز الإنقسام العسكري الداخلي، عبر دعم لوجستي سخي لقيادات بارزة في الضالع، مكنها من تشكيل قوة عسكرية ضخمة، تفوق إمكانيات وقوة الأجهزة الأمنية والألوية الرسمية، وذلك من أجل إيجاد بديل عسكري قوي، يأتمر بأمرها ويواليها، ويكسر شوكة قيادات أخرى من المدينة نفسها ترفض الإعتراف بها، وتحد من سلطاتها، وتنازعها حكم «المحافظات المحررة».
إذاً، المليشيات المحسوبة على «الشرعية» وعلى «المقاومة» قوضت أي دور لإدارة الأمن والسلطة المحلية، وصار الحضور القوي لها. شباب من صغار السن فرضوا وجودهم بقوة السلاح، وسيطروا على أكثر من معسكر، ومواقع مطلة على المدينة، ومن خلالها يمارسون سلطاتهم بعيداً عن مبنى إدارة أمن الضالع، حتى وصل الأمر ببعض المجموعات إلى استحداث سجون خاص لمعاقبة كل من يعارض رغباتها الذاتية، والتي تأخذ طابعاً لا يحكمه أي قانون طبقاً لمعلومات «العربي». يحدث ذلك في ظل عدم استئناف عمل المحاكم والنيابات والبت في القضايا، وهو أمر ضاعف من عدد السجون والسجناء، الذين يتم سجنهم بطريقة عشوائية.
يعترف محافظ محافظة الضالع، فضل الجعدي، في تصريحات صحافية أدلى بها قبل أيام، بأن «التجييش في محافظة الضالع موجود، وللأسف خارج إطار سلطتنا… فالسلطات المركزية في الشرعية تقوم باستقطاب مليشيات وتوظيفها خارج إطار السلطات المحلية واللجنة الأمنية، وتلك التصرفات نحن وضعنا ملاحظاتنا حولها… ويوجد في الضالع اليوم آلاف مؤلفة من المجندين، وهناك ثلاثة آلاف من ذوي الإستحقاقات الحقيقية للتجنيد لا زالت إجراءات ترقيمهم معلقة من السلطة ونائب رئيس هيئة الأركان العامة، رغم توجيهات فخامة رئيس الجمهورية بترقيمهم، وهذه الإشكالية ولدت حالة من الإحباط لدينا، ولا ننكر أن هناك نوايا خبيثة لزرع الفوضى في هذه المحافظة الباسلة».
وكان الجعدي، الذي أجرى «العربي» اتصالاً هاتفياً به لأخذ تعليق منه حول الموضوع، إلا أنه اعتذر عن الحديث لأسباب خاصة، طالباً إعطاءه فرصة أسبوع حتى يستطيع الحديث، قال في تصريحات له إن «السلاح موجود ومنفلت بأيادي منفلتة»، لافتاً إلى «(أننا) حاولنا أكثر من مرة ضبط تلك الأسلحة… حتى يتم توزيعها حسب تخصصاتها، وإلى الآن لم يتم ذلك، بل قامت تلك السلطات بوضع مليشيات تشجعها على إبقاء هذه الأسلحة بيد هؤلاء أو أولئك».
وأما بالنسبة لـ«الحزام الأمني»، فيقول الجعدي إن دول «التحالف» هي التي تقوم باختيار أفراده وتدريبهم، وإنها طلبت منهم فقط ترشيح اسم قائد لهذه القوات. ويتابع «(أننا) سجلنا لهم القائد المقاوم العقيد أبو قاسم، والأخ أبو قاسم سينسق هو والتحالف في هذه المسألة، كذلك الأخوة في التحالف هم من يختاروا، وهناك استمارات نسمع عنها توزع هنا وهناك داخل المحافظة الغرض منها هو خلق الفوضى والشوشرة، وليس لنا أية علاقة بها أو بتسجيل الأسماء».