ما يقارب نصف شهر مرّ على زيارة الوفد الوزاري التابع لحكومة «الشرعية» إلى تعز. زيارة كانت في ظاهرها للمشاركة في احتفال الذكرى الخامسة والخمسين لثورة 26 سبتمبر، إلا أن سياقاتها وتشكيلة وفدها الذي تم اختياره من قبل الجنرال علي محسن الأحمر، بحسب وثيقة رسمية حصل «العربي» على نسخة منها، تشي بأهداف مغايرة.
لملمة أوراق
وتزامنت زيارة الوفد الوزاري إلى تعز مع لقاء جمع نائب الرئيس بقائد كتائب «حسم»، رئيس عمليات قيادة محور تعز، العميد عدنان رزيق، وقائد «المقاومة الشعبية» في تعز، الشيخ حمود سعيد المخلافي، الذي عاد للواجهة مجدداً، بعد غياب رسمي لأكثر من عام، وهو ما ينبئ بحسب مراقبين بأن الجنرال علي محسن بدأ بلملمة أوراقه في تعز، خشية أن يتكرر السيناريو الإماراتي في عدن.
وقال مصدر قيادي في «المقاومة الشعبية» بتعز، لـ«العربي»، إن «عدداً من قيادات الإصلاح، المقربة من نائب الرئيس علي محسن الأحمر، والتي كانت في محافظة مأرب، انتقلت، مطلع الأسبوع الجاري، إلى مدينة تعز»، فيما أكد مصدر رئاسي، مقرب من هادي، لـ«العربي»، أن «نائب الرئيس طلب من الرئيس هادي أن يستقر نائب رئيس الحكومة، عبد العزيز جباري، في مدينة تعز»، لافتاً إلى أن «الإصلاح يخشى من مشروع إماراتي يهدف إلى السيطرة على مدينة تعز، عبر جماعة كتائب أبو العباس السلفية، الموالية للإمارات»، مشيراً إلى أن «الإصلاح يضغط على الرئيس هادي، وبثقل نائب الرئيس، بالتوجيه بانتقال عدد من أعضاء الحكومة من المقيمين في مأرب إلى مدينة تعز».
وتحدث المصدر عن «حالة احتقان شديد في مدينة تعز بين الفصيل السلفي والفصيل الإخواني، منذ أن وصل وفد الحكومة إلى تعز، بسبب التحركات السياسية والعسكرية التي تقوم بها القوات الموالية للإصلاح، من خلال الوفد الوزاري في تعز، لسحب المواقع التي تقع تحت سيطرة كتائب أبو العباس».
سحب البساط
وخلافاً لبعض التكهنات التي كانت تتحدث عن أن مدة الزيارة لن تتجاوز ثلاثة أيام، أي مدة مشاركتها في إحياء الذكرى الخامسة والخمسين لثورة 26 سبتمبر، إلا أن الوفد، وبحسب حديث أحد القيادات السياسية في تعز إلى «العربي»، «لا يزال يواصل تحركاته ولقاءاته العلنية بعدد من مدراء المكاتب الحكومية، والسلطة المحلية، في حين يتحرك بشكل خفي من خلال عدة لقاءات سرية ومكثفة، بقادة فصائل المقاومة الموالية لحزب التجمع اليمني للإصلاح داخل المدينة منذ أكثر من أسبوعين، تمهيداً لسحب البساط من المواقع العسكرية الهامة الواقعة تحت سيطرة الجماعة السلفية الموالية للإمارات، وتجفيف الإيرادات، وتحت مسميات تسليم المواقع العسكرية والمكاتب الحكومية لمؤسسات الدولة، وإعادة تفعيل أجهزة الدولة والتي كان أولها فتح فرع للبنك المركزي».
وذكر المصدر، الذي فضل عدم الإفصاح عن هويته، أن «وفد محسن بدأ بأول مرحلة، والتي هي سحب المواقع العسكرية الهامة التي يحتلها الفصيل السلفي، كتائب أبو العباس، بقيادة عادل عبده فارع، المعروف بـ(أبو العباس)، في كل من قلعة القاهرة والأمن السياسي، حيث تم الإتفاق على أن تسلم بالمقابل فصائل المقاومة الشعبية، التابعة لحزب الإصلاح، المواقع العسكرية الواقعة تحت سيطرتها في مكتب التربية ومدرسة نعمة رسام إلى الشرطة العسكرية الموالية لحزب الإصلاح، والتي تشكلت تحت إشراف القائد العسكري الميداني لحزب الإصلاح، عبده فرحان، المعروف بـ(سالم)، واليد اليمنى لعلي محسن بتعز، ولكنها لم تتوج بالنجاح، حيث رفض قائد كتائب جماعة أبو العباس، عادل عبده فارع، ذلك الأمر، وقال لهم بالحرف الواحد، (أنا عقيد وقائد الشرطة العسكرية عقيد هو عينه هادي، وأنا عينني هادي، لا يمكن أن أسلم لسالم)».
وكشف أن «أمين عام التنظيم الناصري بتعز، عبد الله نعمان، والذي يعتبر الذراع السياسي للإمارات بتعز، إضافة إلى الذراع العسكري المتمثل بجماعة أبو العباس السلفية، أوعز إلى الأخير بأن لا يقبل بتسليم قلعة القاهرة والأمن السياسي إلا في حالة سلمت الجماعات المسلحة التابعة للإصلاح موقع جبل جره». وأضاف أن «تلك النوايا تكشفت بشكل سريع جداً، حيث عادت المجاميع المسلحة التابعة لحزب الإصلاح إلى المواقع التي كانت قد خرجت منها اليوم الأول، والمتمثلة بمدرسة نعمة رسام ومكتب التربية، بعد أن رفضت جماعة أبو العباس تسليم موقعي الأمن المركزي وقلعة القاهرة».
وتابع أن «وفد الجنرال انتقل إلى الخطة الثانية، والمتمثلة بتجفيف منابع الإيرادات التي كانت تستغلها مليشيات الطرفين، من خلال تدشين افتتاح فرع البنك المركزي بتعز، لكي تظل الإيرادات تحت نظر حكومة هادي ونائبه محسن، وهي وإن اعتبرها البعض ناجحة إلا أنها من وجهة نظري فاشلة كسابقتها، فمن يضمن أن تسلم كافة المؤسسات والهيئات التابعة لفصائل المقاومة المتعددة إلى البنك المركزي، وهل جباري قادر على إيقاف حساب عارف جامل الذي لا يزال حتى اللحظة يستقبل الإيرادات؟».
وفي السياق، يعتبر الناشط السياسي، صادق الخالد، في حديث إلى «العربي»، أن «الصراع السياسي والعسكري داخل فصائل المقاومة بتعز، وإن كان سببه يعود لتنفيذ أجندات خارجية، إلا أنه يعد ظاهرة صحية لتوازن القوى حتى لا يتمكن كل فصيل من إقصاء الطرف الآخر، والفترة الطويلة التي قضاها الوفد الوزاري لحكومة الشرعية في تعز ولا زال لم تكن محض صدفة، بل تؤكد أن صراع الشركاء متجذر، ومتوازن بنفس الوقت»، مشيراً إلى أن «تحالف الناصري مع الجماعة السلفية يعتبر شوكة كبيرة في حلق الإصلاح الذي يضع رجلاً داخل الدولة والأخرى وسط المليشيا، والجميع باعتقادي حالياً لا يسعى لاستعادة الدولة»، متوقعاً «عدم قدرة وفد محسن على لملمة أوراقه في تعز، بسبب ذلك التوازن بين طرفي الصراع».