يبدو أن الأوضاع في الجنوب تتجه نحو مزيد من التصعيد على المستويين الشعبي والعسكري. تقدير تبعث عليه التطورات الحاصلة في مدينة عدن، والتي كان آخرها تدشين «المجلس الانتقالي الجنوبي» ما يسميه «التصعيد الشعبي» لإسقاط حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، يوم الجمعة، انطلاقاً من مدينة كريتر، توازياً مع تجدد المواجهات بين القوات التابعة لأطراف النفوذ في المدينة.
واندلع، مساء الخميس، قتال عنيف بين قوات «الحزام الأمني» المدعومة من الإمارات، وبين قوات تتبع المنطقة العسكرية الرابعة ومعها قوات الحماية الرئاسية التابعة للرئيس هادي، في مديرية البريقة. المواجهات دارت رحاها على ميناء الزيت، المنفذ الوحيد الذي تتحكم به قوات هادي، ومنه أدخلت الأموال المطبوعة في روسيا، بعد منع الطائرة التي تقلها من الهبوط في مطار عدن، الذي تديره الإمارات، أكثر من مرة.
يرى مراقبون أن المعركة ليست عابرة، بل تُعدّ فاصلة؛ كون قوات «الحزام» استطاعت من خلالها السيطرة على 12 نقطة أمنية تابعة لقوات هادي. ويشبّه هؤلاء مواجهات الخميس بمعركة المطار التي اندلعت في فبراير الماضي، معتبرين إياها امتداداً للصراع على النفوذ وعلى المناطق الاستراتيجية الهامة في عدن ومدن الجنوب عموماً.
صراع يوازيه، على المستوى السياسي، كباش على الخلفية نفسها، على الرغم من أن بعض أطرافه، كما هو «المجلس الانتقالي» يرفع، في خطواته ضد حكومة هادي، شعارات ثورية. لكن هذه الشعارات لا تقنع قيادات في «المقاومة» وفي الحراك الجنوبي، تتوجس إزاء خطوات المجلس، وتدرجها في إطار الصراع على السلطة، خصوصاً وأن قيادات «الانتقالي» عملت لسنتين كشريكة لحكومة هادي في السلطة المحلية، دون تحقيق أي من الأهداف التي ترفعها حالياً.

في هذا الاتجاه، يرى القيادي في حركة «تاج الجنوب العربي»، الدكتور الخضر الجعري، أن «ما يجري هو صراع على السلطة والنهب لا أكثر، بعيداً عن هم المواطن الجنوبي، وكل يريد أن يستغل معاناة المواطنين ويوظفها توظيفاً سياسياً. الجميع فشل في حل أبسط مشاكل الخدمات، وما يجري هو صراع أجهزة مخابرات ودول في الإقليم بدمى جنوبية، واللعبة أكبر ممن هم في المشهد جميعاً».
ويعتبر الجعري أن «ما جرى في البريقة من إراقة لدماء رفاق سلاح الأمس، يتحمل مسؤوليته كل من: المجلس الانتقالي، وحكومة الشرعية، ودول التحالف التي تظهر بصمتها على ما يجري من توتير لحياة المواطنين، وتصعيد للشحن المناطقي البعيد عن أي قضية وطنية حقيقية ناضل الجنوبيون وعانوا من أجلها».
من جهته، يحمّل القيادي في الحراك الجنوبي، عبد الكريم قاسم، في منشور على صفحته في «فيس بوك»، قيادات «الميليشيات» مسؤولية الصراع، قائلاً «(إننا) أردنا بعد الحرب أن يكون لنا جيش وطني ومؤسسة أمنية وطنية، لكن الذين لم يوافقوا على ذلك هم أصحاب الميليشيات التي لا تخضع لسلطان الدولة، وهؤلاء هم من أخر و يؤخر الاستقرار في عدن، وهؤلاء من سيدخل عدن والمناطق المحررة في الجنوب في حروب بالوكالة ليس لليمن عامة ولا للجنوب خاصة مصلحة فيها».
ولم يعلّق «المجلس الانتقالي» ولا «الشرعية» على أحداث البريقة بشكل رسمي، لكن أطرافاً جنوبية مؤيدة للمجلس ترى في السيطرة على ميناء الزيت «مكسباً جنوبياً، وخطوة في طريق التصعيد ضد حكومة هادي، حتى إخراجها من الجنوب بشكل كامل، من أجل فرض أمر واقع قبل انطلاق العملية السياسية»، خصوصاً وأن الخطوة جاءت بعد حديث عن وثيقة أقرها الرئيس هادي في الرياض، تنص على أن الممثل الشرعي للجنوب هو مكونات الحراك الجنوبي، بينما يرى «الإنتقالي» أنه الممثل «الوحيد والحصري» للجنوب.