ثمّــة فرق كبير جداً بين عجزك عن تحقيق شيء تصبو إليه، وعدم رغبتك بتحقيقه بالرغم من تظاهرك بالرغبة بذلك لإسقاط واجب، أو للتملص من عتب ولوم. فمخطئ مَـــن يعتقد أو يقول أن دول «التحالف» الخليجية النفطية، وسلطة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، وحكومة د.أحمد بن دغر، عجزوا عن إعادة توفير الخدمات الى سابق عهدها بمحافظة عدن وبقي مدن الجنوب طيلة أكثر من 32 شهراً مضتْ، بل هم بالأساس لا يريدون ذلك، لحسابات سياسية لئيمة، وابتزاز سياسي بحسب مقتضى الوضع، وسمسرة وتجارة خسيسة تتلاعب بقوت الناس وضرورياتهم في ظل تحول هذه السلطة إلى محمية فساد كبيرة من قبل «التحالف»، وتداخل حساباتها السياسية ومصالحها التجارية ومكاسبها الفردية والجماعية مع حسابات السياسية والمطامع الاقتصادية لهذا «التحالف»، الذي لم ولن يأبه يوماً لحالة الناس المعيشية المتردية. لِـــمَ سيهتم أصلاً بناس هم في نظره ليسوا أكثر من زوائد دودية طفيلية تتغذى على فتات الملوك وموائد الأمراء والسلاطين النفطية؟
فهل يُعقل أن تحالفاً عربياً بدوله الثرية يُـعد ينبوعاً للطاقة العالمية وبرميلها النفطي الناضح، لم يستطع توفير الحد الأدنى لمادة الوقود في عدن وما جاورها من المناطق؟ لا نقول يعطي ذلك منحة مجانية أو حسنة منه كفاعل خير، بل بحساب مسجّــل مدفوع القيمة آجلاً أم عاجلاً، مع أنه ملزمٌ بتوفير ذلك وفقاً للقوانين والمواثيق الدولية الملزمة له، باعتباره السلطة القائمة على الأرض- دعك مما يسمى بالشرعية فهي ليست أكثر من محلل سياسي فقط- بصرف النظر عن شرعية وجود هذا «التحالف» من عدمه.

ولا يقبل عاقل استيعاب سخافة القول بأن هذا «التحالف» ومعه الشرعية المزعومة، عاجزون عن توفير «كم» ميجاوات لسداد العجز بالطاقة الكهربائية في هذه المدينة المنهكة، ولو بحده الأدنى أيضاً من هذا العجز.
عدن اليوم تعيش وضع خانق بمادة الوقود بكل مشتقاته، جّـــراء التلاعب الذي يقوم بها سماسرة من داخل شركة النفطة ومصفاة المدينة والتجار المستورد، وما يتفشى عن ذلك من أسواق سوداء وجماعات تهريب وتخزين لهذه المادة الضرورية. ليس عدن فقط هي التي تعاني من أزمة وقود، بل حضرموت وشبوة، وحين نقول حضرموت وشبوة فنحن، بالضرورة نشير إلى محافظات إنتاج النفط، فحين يبلغ سعر الـــ20 لتر بنزين في حضرموت وعتق 10 آلاف ريال في السوق السوداء، فهنا يكون الفساد قد صالب الصخر بصلابة قوته وقبحه، وتجاوز حدود المعقول.
هذا العبث لا يقتصر ضرره على المعاناة في رداءة حركة النقل، بل يتجاوز كل جوانب حياة الناس، من تردي وضع الكهرباء المتردي أصلاً، واضطراب أوضاع المستشفيات والمستوصفات في ظل وضع صحي لا يسر صديق ولا قريب، وغيرها من المجالات. فلم تشهد المحافظة عدن ولا المكلا ولا غيرها من مدن وبلدات الوطن وضع بائس كهذا.
كما لا يمكن فهم لغز عرقلة الرحلات الجوية – على قلتها ومحدودية الدول المغادرة اليها وارتفاع اسعار تكلفتها- وإغلاق المطارات بين الحين والآخر، وكذلك الموانئ بذرائع تتبدل بحسب حالة الطقس السياسي والوضع العسكري على الجبهات.

فحين يغلق «التحالف» مطاراً دولياً كمطار عدن هو تحت سيطرته وإدارته، فكل طائرة تغادر منه تغادر بمعرفة وبترخيص وفحص وتفتيش من «التحالف»، والمطارات المغادرة إليها هي تحت سيطرة «التحالف»، وكل طائرة قادمة إلى مطار عدن تأتي من مطارات هي أصلاً تحت سيطرة هذا «التحالف»، ويتم تفتيش كل مسافر، ذهاباً وإياباً. هذا الحال في مطار عدن هو ذاته في مطار سيئون. نقول إنه حين يحصل كل هذا، فإن الأمر لا يمكن فهمه على أنه إجراء له ما يبرره من الناحية الإدارية والملاحية، ولا حتى من الناحية العسكرية أو الأمنية، كالمبرر الطريف الذي سمعناه عند آخر إغلاق قبل أيام، حين تم تبرير الإغلاق بسبب عملية تهريب صواريخ بالستية لقوات «الحوثيين» وصالح. بقي الإشارة بهذه الجزئية إلى أن ثلاثين مليون نسمة على الأقل، يعتمدون بسفرهم من وإلى الوطن على طائرتين فقط. طائرتان بمحركين انتهى عمرهما الافتراضي، بحسب مصادر بوزارة النقل وشركة الطيران «اليمنية» نفسهما. وعلى باقي الخدمات والمجالات الأخرى يُــقاس الأمر.
نقولها بالمجمل، وهذه حقيقة بات يدركها الصغير والكبير، العاقل والقاصر، المتضرر والجاني، إن الخدمات بكل احتياجاتها أضحت وسيلة ابتزاز وأوراق ضغط سياسي يمارسها «التحالف» وسلطة هادي، في وجه القوى الجنوبية، وربما في وجه بعضهم بعض، حين تضطرهم الحاجة. بل وباتت الخدمات وسيلة تكسُّب وتجارة رابحة لهوامير وعتاولة فساد هذه السلطة، وبالذات بمجالات النفط والمالية ومعاشات ضباط وأفراد المؤسستين العسكرية والأمنية والسلك الدبلوماسي.
وليس أدل من هذا قول محافظ عدن المستقيل لتوّه قبل أيام، وهو بعريضة استقالته يصف فساد هذه السلطة وحكومتها، بالقول: «لشديد الأسف، وجدت نفسي في حرب ضارية مع معسكر كبير للفساد، كتائبه مدرّبة وحصونه محمية بحراسة يقودها رئيس الحكومة الدكتور أحمد عبيد بن دغر»