الجنوب اليوم يكشف خفايا نهب قطاع نفطي في شبوة
الجنوب اليوم | خاص
لأول مرة في تاريخ النفط في العالم يتم استلام وتسليم قطاع نفطي كامل في غضون ساعات، ومن قبل لجنة غير فنية، هذا ما حدث في محافظة شبوة خلال الساعات الماضية من قبل وزارة النفط في حكومة عدن، حيث تم استلام قطاع نفطي واسع بكافة مرافق وآليات وخزانات ومعدات وأجهزة القطاع بساعات. وهذا لا يعني وصول اليمن في محافظة شبوة إلى عصر السرعة الفائقة، وإنما كان الاستلام والتسليم الأسرع في قطاع النفط اليمني بغرض نهب القطاع ومصادرة الكثير من المعدات والمرافق والعبث به.
القصة بدأت قبل أيام من قيام وزارة النفط والمعادن بتشكيل لجنة لاستلام القطاع النفطي S2 في العقلة، وذلك بعد قرار شركة “OMV” النمساوية للطاقة إنهاء عملياتها بشكل نهائي في القطاع، وتسريح موظفيها اليمنيين. ووفقاً لمذكرة وزير النفط الصادرة عنه بتاريخ 26 مايو الجاري، تم تشكيل لجنة مكونة من عشرة أعضاء لتتولى مهمة استلام القطاع من الشركة التي ينتهي عملها اليوم السبت 31 مايو.
وأشارت المذكرة إلى أن نتيجة للمغادرة المبكرة لمقاول قطاع العقلة، ونظراً لضيق الوقت المتبقي للانتهاء من عملية الاستلام المبدئي للقطاع، فإنه سيتوجب على لجان الاستلام المتخصصة سرعة القيام بإنجاز واجباتها بحسب الأهمية والأولوية للأعمال، وبما يتناسب ويحقق الهدف والمصلحة من الاستلام والتسليم لجميع منشآت وأصول ووثائق القطاع.
وجاء هذا القرار بعد أيام من توجيه رئيس الحكومة سالم بن بريك إلى وزارة النفط بسرعة تشكيل لجنة حكومية جديدة لتولي إدارة قطاع العقلة النفطي (S2)، اعتباراً من 1 يونيو/حزيران 2025، ونقل النفط الخام في الخزانات إلى كهرباء عدن.
وانتقد مراقبون مختصون هذا القرار مشيرين إلى أن اللجنة تضم شخصيات إدارية غير ميدانية تفتقر إلى الخبرة التشغيلية والفنية، وتخالف القواعد الدولية في عملية تقييم ونقل ملكية وإدارة الأصول، كما لم تُحدد فترة زمنية واضحة للتسليم والاستلام.
ولم تُعلن الوزارة عن الجهة التي ستتولى التشغيل النهائي للقطاع، وما يجري حالياً مجرد استلام أولي، يفتقر لتقييم الأداء الفني والتشغيلي للقطاع خلال فترة تشغيل OMV، الأمر الذي يثير تساؤلات وتكهنات بشأن وجود تفاهمات غير معلنة أو ترتيبات لتقاسم النفوذ والمعدات، وفقاً لمختصين.
الخبير النفطي عبد الغني جغمان، شكك في نوايا الوزارة في قضية استلام قطاع العقلة النفطي من شركة OMV، وقال إن الأوساط المهنية والرقابية تتابع بقلق بالغ ما يجري من خطوات متسارعة وغير منهجية لاستلام منشآت وأصول قطاع العقلة (S2) من شركة OMV النمساوية، #شبوة والتي أنهت رسمياً أعمالها في اليمن بتاريخ 30 مايو 2025، بعد أن كانت قد أبلغت وزارة النفط والجهات المختصة بنيتها الانسحاب منذ أكثر من عام ونصف.
ورغم المهلة الزمنية الكافية، لم تُشكل اللجان الفنية والقانونية المختصة بعملية الاستلام إلا بتاريخ 27 مايو 2025، أي قبل ثلاثة أيام فقط من مغادرة الشركة، في خطوة تثير تساؤلات خطيرة حول النوايا الحقيقية والكفاءة الإدارية للوزارة والهيئات التابعة لها. وأشار إلى أن ذلك يعد إخلالاً جسيماً بمبدأ الإعداد المسبق والاستلام القانوني، ومن غير المقبول قانوناً أو مهنياً أن تتم عملية استلام قطاع نفطي بحجم وأهمية قطاع العقلة خلال ثلاثة أيام فقط. وأشار إلى أن هذه العجلة تؤكد بيع الوهم للمواطنين، وهي تفتقر إلى أي تخطيط فني أو قانوني أو تشغيلي، وتخالف القواعد الدولية في نقل ملكية وإدارة الأصول ذات الطابع الاستراتيجي.
وتساءل عن الجهة المسؤولة عن تقييم الأداء الفني والتشغيلي للقطاع خلال فترة تشغيل OMV، وعن مصير نتائج تقارير مراجعة العقود، والتقارير المالية والفنية وفحص الالتزامات المالية، والبيانات البيئية والتقنية؟ وكذلك عن أسباب استبعاد الكوادر المحلية وذوي الخبرة من عضوية اللجنة الوزارية، خاصة وأن من تم تغييبهم من الكفاءات والكوادر الميدانية التي عايشت تشغيل القطاع لعقود، دون مبرر واضح، مما يضاعف الشكوك خاصة وأن اللجنة المشكّلة تضم شخصيات غير ميدانية، وغالبيتها من قيادات إدارية تفتقر للخبرة التشغيلية والقدرة على تقييم الأصول الفنية المعقدة.
وقدم خبراء في مجال النفط عدة ملاحظات فنية حرجة تعزز الشكوك حول جدية عملية الاستلام، من تلك الملاحظات:
1. غياب خطة واضحة للاستلام:
– إذ لم تعلن وزارة النفط عن أي خطة زمنية أو آلية فنية واضحة لتنفيذ الاستلام الأولي.
– لا يوجد جدول زمني يحدد مراحل العمل من البداية وحتى الاستلام النهائي.
– متى تبدأ أعمال اللجنة فعلياً؟
– كم ستستغرق من وقت؟
– متى يكون الاستلام النهائي الفعلي والموثق؟
2. تعارض الإجراءات مع التوقيت القانوني لخروج الشركة:
– من غير المنطقي تشكيل لجنة استلام بعد توقيع الخروج الرسمي للشركة في 31 مايو 2025، حيث تصبح الشركة قانونياً خارج نطاق الالتزام بأي دعم لوجستي أو فني، مما يعزز فرضية أن ما يجري هو استلام صوري فقط.
3. غياب الكادر الفني للشركة المنسحبة:
– قامت شركة OMV بتسريح جميع موظفيها عدا 15 موظفاً مجهولي الهوية والاختصاص، ولا يُعرف مدى اطلاعهم على تفاصيل المعدات والمنشآت والمخازن والحسابات.
– فكيف يمكن ضمان استلام دقيق لمنشآت بهذا الحجم دون توافر أصحاب المعرفة الفعلية بها؟
4. غياب تقييم شامل لمشروع المعالجة المركزية (CPF):
– تم تجاهل متعمد لمشروع الـCPF رغم أنه من أكبر المشاريع الاستثمارية في القطاع، وتجاوزت كلفته 300 مليون دولار، ولم يُنجز كاملاً حتى الآن.
– أين خطة جرد معدات الـCPF؟
– ما هو وضعه الفني؟ أين ملفات التنفيذ الفعلي؟
– أين الرسومات النهائية وشهادات الفحص والتدقيق، وسجلات التعديلات الهندسية والمالية؟
5. غياب الجرد الميداني والتحقق الفني:
– يجب جرد كافة المعدات في مخازن CPF، وفحص حالتها الفنية، وتمييز ما هو صالح، وما هو تالف أو مفقود.
– يجب استلام المخططات الهندسية (المدنية، الكهربائية، والميكانيكية) والرسومات الإيزومترية محدثة ومرفقة بحالة كل نظام (منجز، متوقف، تحت التنفيذ).
– أين سجل استعلامات المشروع؟
– ما وضع المواد الكيميائية المخزنة، سواء المنتهية أو الصالحة للاستخدام؟
– ماذا عن مولدات الكهرباء (Rolls-Royce)؟
6. ضرورة تسليم الوثائق التعاقدية الكاملة:
– يجب أن يشمل الاستلام تسليم كافة عقود الشراء والمقاولات، مع توضيح:
– المبالغ المدفوعة والمتبقية.
– حالة الالتزامات التعاقدية وما تم تنفيذه وما تبقى.
– مستندات الفوترة والسداد.
– تفاصيل عمليات التدقيق السابقة.
7. منهجية فحص المنشآت المتوقفة:
– ما الآلية لفحص المنشآت المتوقفة منذ سنوات؟
– هل توجد فرق فنية متخصصة بتقييم تآكل المعدات والتجهيزات بعد الإيقاف الطويل؟
– من يضمن السلامة الإنشائية للمعدات بعد الإغلاق وعدم الصيانة؟
رابعاً: غموض حول المشغل الوطني القادم:
– حتى اللحظة، لم تُعلن الوزارة بوضوح عن الجهة الوطنية التي ستتولى التشغيل النهائي للقطاع. أما الاستلام الحالي فهو استلام أولي شكلي لا يتبعه أي إطار حوكمة فني معروف، ما يفتح الباب للتكهنات بشأن وجود تفاهمات غير معلنة أو ترتيبات لتقاسم النفوذ والمعدات.
خامساً: سوابق الفشل الإداري تثير القلق:
لا يمكن تجاهل السجل الأسود للوزارة في إدارة القطاعات النفطية، أبرزها التخلي عن قطاعات (32، 43، 47) في #حضرموت بعد انسحاب DNO في 2015، والتي تُركت مهملة في الصحراء بدون تشغيل أو حماية أو اهتمام، وموظفوها بلا عمل حتى اليوم، رغم كل المناشدات.
وقال المختصون في المجال النفطي، إن طريقة إدارة استلام قطاع العقلة تفتقر إلى أبسط معايير التخطيط، وتغيب عنها الشفافية، وتثير مخاوف مشروعة من تحول العملية إلى غطاء لتمرير صفقات أو تقاسم أصول ومعدات تقدر بمليارات الدولارات.
وطالب خبراء بفتح تحقيق عاجل وشفاف، وتكليف فرق فنية وقانونية محايدة لمراجعة ما إذا تم الاستلام من الشركة مسبقاً، وأداء ونتائج هذه اللجان المتفرعة والمتعددة، مع فحص كافة الوثائق، ومراقبة سير عملية الاستلام، حفاظاً على حقوق الدولة والمصلحة العامة.