منبر كل الاحرار

مقال لـ: علي حسن الخريشي أزمة الكهرباء المستمرة في عدن.. هل من حلول قريبة أم أن الأوضاع ستستمر لسنوات قادمة؟

الجنوب اليوم | مقال 

بقلم: علي حسن الخريشي

تُعاني العاصمة المؤقتة عدن من أزمة كهرباء خانقة ومتفاقمة، تحولت إلى جزء لا يتجزأ من الحياة اليومية لسكان المدينة. ساعات الانقطاع الطويلة التي تتجاوز الـ 20 ساعة يوميًا، خاصة في فصل الصيف القاسي، تحوّل حياة المواطنين إلى جحيم، وتزيد من معاناة الأسر، خصوصًا المرضى وكبار السن والأطفال. هذه الأزمة ليست وليدة اليوم، بل هي نتاج تراكمات لعقود من الإهمال، وتدمير البنية التحتية، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، والصراعات المستمرة. السؤال الذي يطرحه الجميع: هل من حلول قريبة لهذه المعضلة، أم أن عدن ستظل ترزح تحت وطأة الظلام لسنوات قادمة؟

 

 

جذور الأزمة وتداعياتها:

 

 

تُعزى أزمة الكهرباء في عدن إلى عدة عوامل مترابطة:

 

 

– تدمير البنية التحتية: تسببت الحرب في تدمير جزئي أو كلي لمحطات توليد الكهرباء وخطوط النقل، مما أدى إلى انخفاض حاد في القدرة الإنتاجية.

 

 

– نقص الوقود: تعتمد معظم محطات التوليد على الوقود (الديزل والمازوت)، الذي أصبح تأمينه تحديًا كبيرًا بسبب التكلفة الباهظة (حوالي 55 مليون دولار شهريًا لكهرباء عدن فقط) وتوقف تصدير النفط نتيجة استهداف الحوثيين لموانئ التصدير.

 

 

– الفساد وسوء الإدارة: تتبادل الاتهامات بالفساد في استيراد ونقل الوقود بين الحكومة والسلطات المحلية، مما يزيد من تعقيد المشكلة ويقلل من فعالية أي جهود إصلاح.

 

 

– زيادة الطلب على الطاقة: يزداد الطلب على الكهرباء بشكل مطرد، خاصة في فصل الصيف، بينما القدرة التوليدية المتاحة لا تكفي لتلبية هذا الطلب.

 

 

– اهتراء الشبكة: البنية التحتية القديمة للكهرباء تحتاج إلى صيانة شاملة وتحديث جذري.

 

 

تأثير هذه الأزمة كارثي على كافة جوانب الحياة في عدن. فالمستشفيات تواجه صعوبة في تقديم الرعاية الصحية، والمشاريع والشركات تواجه تحديات تشغيلية هائلة، مما يزيد من تدهور الوضع الاقتصادي ومعاناة المواطنين الذين يلجأون إلى المولدات الخاصة التي تزيد من أعبائهم المالية في ظل انهيار العملة المحلية.

 

 

دور المجلس الرئاسي والحكومة وعود متكررة دون نتائج ملموسة.

 

 

يبدو أن دور المجلس الرئاسي والحكومة في معالجة أزمة الكهرباء في عدن يقتصر في كثير من الأحيان على إصدار التوجيهات وإطلاق الوعود التي لا تصمد أمام الواقع المرير. فعلى الرغم من إعلان رئيس الوزراء عن “حلول إسعافية عاجلة” وتوجيهات بتوفير الوقود وصيانة المحطات، إلا أن المواطنين لم يلمسوا تحسنًا ملموسًا، بل على العكس، تتفاقم الأزمة يومًا بعد يوم.

 

 

هناك اتهامات صريحة للحكومة بتجاهل مأساة المواطنين والتقصير في معالجة الأسباب الجذرية للأزمة، مع الاكتفاء بإلقاء اللوم دون تحرك ملموس. كما أن إقرار إلغاء عقود الطاقة المشتراة التي كانت تمثل عبئًا ماليًا على الدولة يعد خطوة إيجابية، لكنها تتطلب بدائل فورية وفعالة لضمان استمرارية التيار.

 

 

دور دول التحالف دعم متذبذب وتجاهل للجانب الخدمي؟

 

دول التحالف العربي، التي تقود العمليات العسكرية في اليمن وتدعم الحكومة الشرعية، لها دور محوري في دعم استقرار المناطق المحررة، بما في ذلك عدن. ورغم تقديم بعض المساعدات والدعم في فترات سابقة، مثل منح الوقود لتشغيل بعض المحطات، إلا أن التحديات لا تزال قائمة.

 

يواجه التحالف اتهامات بتجاهل الكارثة الإنسانية والخدمية في عدن، حيث يرى البعض أن دعم التحالف يركز بشكل أكبر على الجانب العسكري والسياسي، بينما الجانب الخدمي، كالكهرباء، لا يحظى بالأولوية الكافية. في ظل الاحتياجات الهائلة للكهرباء في عدن (حوالي 700 ميجاوات)، والعجز الكبير (يقارب 630 ميجاوات)، يبدو أن جهود التحالف غير كافية لسد هذه الفجوة.

 

توقف تصدير النفط اليمني بسبب استهداف الحوثيين للموانئ، والذي كان يمثل موردًا حيويًا لتغطية نفقات الكهرباء والخدمات، يزيد من تعقيد الوضع. يتطلب ذلك تنسيقًا أكبر بين الحكومة والتحالف لإيجاد حلول مستدامة لتأمين إمدادات الوقود واستئناف تصدير النفط.

 

آفاق الحلول: هل من أمل؟

 

الوضع الراهن في عدن ينذر بانفجار اجتماعي إذا لم يتم اتخاذ خطوات جدية وسريعة لمعالجة أزمة الكهرباء. الحلول المؤقتة لم تعد كافية، بل هي مجرد مسكنات لا تعالج الأسباب الجذرية للمشكلة. يمكن تلخيص آفاق الحلول في النقاط التالية:

 

– إعادة تأهيل البنية التحتية: تتطلب استعادة القدرة التوليدية المهدرة مشاريع عاجلة لإعادة تأهيل المحطات المتضررة، مثل المحطة الغازية القطرية، وتأهيل محطة الحسوة والمنصورة. يمكن لهذه المشاريع أن تضيف مئات الميغاوات إلى الشبكة خلال فترة قصيرة إذا توفر التمويل اللازم.

 

– تأمين إمدادات الوقود: يجب على الحكومة والمجلس الرئاسي، بالتعاون مع دول التحالف، إيجاد آلية مستدامة وموثوقة لتأمين وقود الديزل والمازوت لمحطات الكهرباء، بعيدًا عن الفساد والممارسات غير الشفافة.

 

– تنويع مصادر الطاقة: لا يمكن الاعتماد بشكل كامل على الوقود التقليدي. يجب التفكير بجدية في مشاريع الطاقة المتجددة، مثل مشروع كهرباء الطاقة الشمسية، المقدمةمن دولة الامارات ، والمطالبة بتوسيع هذه الطاقة، وفصلها عن الربط العام وتخصيصها للعاصمة عدن التي ترتفع فيها درجات الحرارة والرطوبة خاصة خلال الصيف

 

– مكافحة الفساد: يتطلب حل الأزمة محاسبة الجهات المقصرة ومكافحة الفساد في قطاع الكهرباء لضمان وصول الموارد إلى وجهتها الصحيحة.

 

– الدعم الدولي الشامل: يجب على المجتمع الدولي ودول التحالف تكثيف دعمها ليس فقط في الجانب الإنساني، بل في إعادة إعمار البنية التحتية وتأهيل قطاع الخدمات بشكل عام في المناطق المحررة.

 

– تفعيل القطاع الخاص: يمكن للقطاع الخاص أن يلعب دورًا في الاستثمار في مشاريع الطاقة، بشرط وجود بيئة استثمارية محفزة وضمانات حكومية.

 

أزمة الكهرباء في عدن هي ملف معقد ومتشابك، يتطلب إرادة سياسية حقيقية، وخططًا استراتيجية بعيدة المدى، ودعمًا دوليًا مكثفًا. لا يمكن للسكان تحمل المزيد من الظلام والمعاناة. إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه، فإن عدن ستظل غارقة في الظلام لسنوات قادمة، مع تداعيات اجتماعية واقتصادية وإنسانية وخيمة. آن الأوان لوضع حلول جذرية ودائمة، بدلاً من الوعود المؤقتة التي لا تجلب سوى المزيد من الإحباط واليأس.

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com