تصعيد عسكري وسياسي في حضرموت وسط صراع نفوذ سعودي إماراتي
الجنوب اليوم | حضرموت
دفعت السعودية، يوم الاثنين، بقوات كبيرة إلى مناطق سيطرتها شرقي اليمن، في تصعيد واضح مع تصاعد التوتر مع الفصائل الموالية للإمارات. وأظهرت مقاطع فيديو متداولة وصول عشرات الأطقم والعربات العسكرية تباعاً إلى مدينة سيئون، المركز الإداري لوادي وصحراء حضرموت، قادمة من منفذ الوديعة الحدودي. ومرّ أكثر من مئتي آلية عسكرية تتبع فصيل “درع الوطن” الذي يشرف عليه القائد السعودي سلطان البقمي، وتدار عملياته من غرفة عمليات على الحدود اليمنية السعودية. وتأتي هذه التعزيزات في وقت بلغ فيه التوتر في حضرموت – الغنية بالنفط – مستويات غير مسبوقة.
في هذا السياق، تحدث الشيخ عمرو بن حبريش العليي، رئيس حلف قبائل حضرموت، لقناة BBC معبراً عن أسفه لدعم الإمارات لجماعات تهدف إلى “السيطرة على قرار وثروات حضرموت”. وأكد استعداد قبائل حضرموت للمواجهة، قائلاً: “لا خيار أمامنا إلا الدفاع عن أرضنا… ولن نسمح لأي جهة بالسيطرة على ثروات حضرموت أو مصادرة قرارها.” وأشار إلى تعرض المنطقة لهجوم من مليشيات قبلية تدعي تمثيل الدولة بهدف “إحكام السيطرة على حضرموت وإنهاء النخبة الحضرمية”، معرباً عن تطلعه لتدخل السعودية كقائدة للتحالف، ومذكراً بـ”علاقات جوار وروابط قبلية وتاريخية راسخة”.
شهدت خطوط التماس بين الساحل والوادي اشتباكات يوم الأحد بعد محاولة فصائل مدعومة إماراتياً التوغل في الهضبة النفطية، حيث تتمركز قوات موالية للسعودية. وتشير الحشود السعودية إلى قرار بحسم أي محاولة اختراق باتجاه مناطق النفط، خصوصاً مع بقاء قوات سعودية من “درع الوطن” داخل حضرموت منذ أشهر. وفشل هجوم فصائل مدعومة إماراتياً مساء الأحد على مواقع موالية للسعودية في الهضبة النفطية، واضطرارها للانسحاب بعد فشل وصول التعزيزات.
اكتنف الغموض مصير قائد المنطقة العسكرية الثانية في حضرموت، اللواء سعيد بارجاش، بعد اتهامه بمحاولة الانقلاب على المحافظ الجديد المدعوم سعودياً، سالم الخنبشي. وتضاربت الأنباء بين حديث عن استقالته، وتقارير عن توجه سعودي لعزله على خلفية التطورات الأخيرة. وكان بارجاش – المقرب من عضو المجلس الرئاسي فرج البحسني – قد أصدر توجيهات باسم المحافظ تقضي بالتحرك العسكري نحو الهضبة النفطية، لكن قيادات أمنية وعسكرية رفضت التنفيذ بانتظار أوامر رسمية من المحافظ. وحسب مصادر في مكتب المحافظ، كان بارجاش يخطط لاستغلال لحظة وصول المحافظ لتنفيذ هجوم خاطف، لكن الخطة فشلت بعد أن استدعى الخنبشي جميع القيادات وأمرهم بالتهدئة ووقف أي تصعيد. وغاب بارجاش عن هذا اللقاء، ما عزز الشكوك حول مصيره.
تكشف التطورات في حضرموت عن سباق مكشوف بين السعودية والإمارات لفرض معادلة جديدة في الهضبة النفطية، التي باتت نقطة الارتكاز في صراع النفوذ شرق اليمن. فالحشود السعودية ليست دفاعية فقط، بل تحمل رسالة واضحة بأن المساس بالوادي أو الحقول النفطية سيواجه بحسم. بينما تجري الفصائل المدعومة إماراتياً عمليات جس نبض لاختبار قدرة السعودية على الرد. وتظهر محاولة الانقلاب داخل المنطقة العسكرية الثانية أن الصراع تمدد إلى البنى العسكرية والإدارية ذاتها، حيث يمثل بارجاش تقاطع نفوذ بين البحسني وأبوظبي. وتسعى السعودية لتأمين قرارها في حضرموت ومنع بروز أي مركز منافس داخل الهرم العسكري.
انتقلت حضرموت من حالة “التنافس الصامت” إلى صدام محكوم بموازين القوة على الأرض. ومع استمرار الدفع المتبادل للتعزيزات وغياب مسار سياسي يضبط الأطراف، قد تصبح الهضبة النفطية ساحة الصراع الأكبر في الشرق اليمني خلال المرحلة المقبلة، في مشهد يعكس تعقيد التحالفات والولاءات في الحرب اليمنية وتداخل العوامل المحلية والإقليمية.