الجنوب اليوم | صلاح السقلدي

 

تتصاعد وتيرة تحركات الشارع الجنوبي بوجه فساد وفوضوية السلطة «الشرعية» و«التحالف» في عموم الجنوب وبالمدن الرئيسية بالذات، وتتعالى الأصوات الشعبية والثورية والسياسية بجرأة كبيرة، أصابت الكثير بالدهشة والذهول، وهي تردد هتافات حادة وصادمة لـ«التحالف» و«الشرعية» على السواء.

هتافات كانت إلى قبل أسابيع من المحظورات. وكان من الممنوع أن يتعرّض، حتى الهتاف، لـ«التحالف» وسياسته تجاه الجنوب. اليوم، ترفع التحركات الشعبية لافتات تدعو «التحالف» إلى المغادرة وتصفه بـ«الاحتلال» وتقول: «لا تحالف بعد اليوم».

قد يكون في قول البعض بأن حِــدة وجرأة هذه الهتافات وصرامة عبارات هذه اللافتات أتى بإيعاز من قوى جنوبية تناصب «التحالف» الخصومة، وتتلقى دعما سياسياً وإعلامياً من قوى خارجية لتستهدف بها إحراج «المجلس الانتقالي الجنوبي» أمام الشعب، وحشر «التحالف» في زاوية الفشل الضيقة، فيه شيء من الصحة، ولكن هذا لا ينفي حقيقة أن الشارع الجنوبي وجزءً كبيراً من النُـــخب الجنوبية قد فاض بها الكيل ونفذ صبرها حيال هذا التجاهل الذي يبديه من نعتقد أنهم شركاء للجنوب و«مقاومته الجنوبية»، وبالذات «التحالف» و«الشرعية»، الذين أداورا ظهورهم سياسياً للقضية الجنوبية من أول اختبار لهم قبل المشاورات التي كان من المزمع عقدها في جنيف مطلع الشهر الجاري، قبل أن تفشل مبكراً.

هذا الموقف أماطَ اللثام عن التعاطي الحقيقي لهؤلاء الحلفاء حيال الجنوب، وهو الأمر الذي فاقم مستوى الريبة من مواقفهم مستقبلاً عند الشارع الجنوبي، وعجّـــل من سرعة دوران البكرة الجماهيرية بالشارع الجنوبي وخروج معظم هذه الجموع خروجاً تلقائياً وعفوياً، بل وأعطى نضالها هذه المرة صورة أكثر وضوحاً وأكثر صراحة قياساً بشعارات ومفردات المجاملة والاستجداء التي ظلت سائدة طيلة السنوات الثلاث الماضية. هذا الخروج وهذا السخط ليس موجهاً فقط نحو «التحالف» (السعودية والإمارات) ونحو «الشرعية» بالرغم من البؤس الذي تسببه هذه الأطراف لحياة الناس ولقمة عيشهم، وبالرغم من تلاعبها السياسي بمصير القضية الجنوبية، بل موجه أيضاً نحو القوى والشخصيات الجنوبية التي رهنت الإرادة الجنوبية للغير، نظير وعود سياسية لا وجود لها بالأساس، إلا في مخيلة هذه الشخصيات، فـ«التحالف» بالرغم من توظيفه واستغلاله السيء للقضية الجنوبية وبندقيها المقاوِمِة، إلا أنه لم يطلق أي وعد تجاه الجنوب، ولو من باب الالتزام الأخلاقي، أو قُــل من باب الاستغفال السياسي. ومع ذلك، فهذا الموقف منه يجب أن نعتبره وضوحاً محموداً، فهو أي «التحالف» كان وما زال صادقاً بموقفه مع الجنوبيين ومع الوحدة اليمنية التي يدعمها بشكل جائر، بعد كل ما جرى، ويتمسّك بها متجاهلاً كل المتغيرات على الأرض.

 وبالتالي، وبالرغم من كل هذا الموقف فهو لم يخذلهم، كونه لم يعط أحداً أي وعود لا تصريحاً ولا تلميحاً، لا من خلف الكواليس ولا من أمامها، ونتحدى من يفنّــد قولنا أن يثبت ذلك. وعطفاً على هذا، فإن مَن يتحمّل مسؤولية هذا المآل الذي صارت إليه القضية الجنوبية، ومَن يتحمل هذا السخط الجماهيري وهذه اللغة الغليظة التي تتشكل بالشارع، هو تلك لشخصيات وتلك القوى الجنوبية التي باعت الوهم للشعب ببازار الفشل السياسي، وتاجرت بقضيته الجنوبية على عتبات المنافع الشخصية، أو وقعت ضحية ضحالة تفكيرها وسذاجتها السياسية وهي تتعاطى مع قوى إقليمية طامعة، وقوى يمنية لا يؤمن جانبها ومكائدها.

وفي المقابل، فإن القوى الجنوبية والشخصيات الحراكية، وبالذات قوى ورموز مجالس «الحراك الثوري»، التي انخرطت ودعّــمتْ هذه التحركات الشعبية، سترتكب خطأً جسيماً إن هي جيّــرت هذه التحركات تجييراً شخصياً واستخدمتها لغرض المناكفات الإعلامية والشماتة السياسية في وجه القوى الأخرى المُــختلف معها، وبالذات «المجلس الانتقالي الجنوبي»، فهذه التحركات يجب ألّا تكون موجهة ضد أي طرف جنوبي مهما تباينت الآراء معه، خصوصاً في مثل هكذا ظرف دقيقة وحسّاسة. فالمرحلة يصعب أن يتحمل أعباءها وتحدياتها كيان جنوبي لوحده، ناهيك عن قيادي بمفرده، حتى وإن كان بحجم المناضل حسن أحمد باعوم.

كما يجب أن تكون التحركات الشعبية، دافعاً لكل النخب والقوى الجنوبية لرأب الصدع وإعادة مراجعة العلاقة مع الداخل الجنوبي، ومع القوى الإقليمية وتصحيح العلاقة مع هذه الأخيرة بالذات وتصويب ما ارتُكِــبَ من أخطاء ناتجة عن هرولة وانسياق أعمى، كما أنها فرصة للخروج من دائرة الارتهان المفرط للخارج، والاستعاضة عنه بالرهان على قوة الشارع الجنوبي وعدالة قضيته وبندقية مقاومته.

هذه ليست دعوة لبناء جدران عازلة مع الإقليم أو مع القوى اليمنية المختلفة، بل هي دعوة لمد جسور التواصل معها ومع هذا الإقليم لتحفظ به الحقوق للجميع، وتصون الكرامة الوطنية وتراعي المصالح المشتركة، بالتوازي مع الحفاظ على استقلالية الإرادة الوطنية وسيادة القرار السياسي الحُـر.

العربي