لأول مرة تشهد عدن فعاليتين منفصلتين لـ«الحراك الجنوبي»، في ذكرى ثورة 14 أكتوبر، التي يفترض أن تأتي لتعزز من اللحمة الداخلية، وترتقي بـ«الحراك» إلى مصاف المنظومة السياسية المتناغمة التي ترفع شعارات واحدة ومواقفها مسنجمة.
بين ساحة الشهيد مدرم في المعلا، وساحة العروض في خور مكسر، يبدو «الحراك»، وإلى جانبه فصائل «المقاومة الجنوبية» في طريقهم إلى مزيد من التشظي، بعد تبادلهما الاتهامات برفض توحيد فعالية الاحتفال بذكرى الثورة على الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.
يرى مراقبون أن ما تفتقر إليه مكونات «الحراك» هو التنازل والالتقاء عند نقطة سواء، وعندما يحاولون تتبع أثر التصدّعات العميقة التي أخذت تضرب عميقاً في جذوره، يتفقون على ثلاثة عناوين رئيسة باعدت المسافات بين قياداته، وزرعت الشكوك في صفوف جماهيره حول مستقل «القضية الجنوبية».
فمن مؤتمر الحوار الوطني، إلى موافقة رموز في «الحراك» و«المقاومة الجنوبية» على الانضمام إلى صفوف «الشرعية»، وأخيراً تشكيل «المجلس الانتقالي الجنوبي» المدعوم من الإمارات، فقد التيار الثوري الذي هزّ نظام الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، في الجنوب، زخمه وفاعليته، وإنْ كان هناك من قاسم مشترك لما آل إليه وضع «الحراك» اليوم، فهو الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، الذي تمكن مع بدايات مؤتمر الحوار، من إقناع شخصيات جنوبية بحجم محمد علي أحمد، وياسين مكاوي، بالانضمام إلى لمؤتمر تحت العلم اليمني، لتمثيل «الحراك»، في محاولة نجحت نوعاً ما في اقتناع المجتمع الدولي بأن للجنوب صوت داخل المؤتمر.

توجه تعزز من خلال تمرير مسرحية رفع علم الجنوب داخل صالة «الموفنبيك»، وبعدها شرع هادي بممارسة حقن «الحراك» بجينات التدمير الذاتي من الداخل، فاستقطب واحداً من أوائل مفجري «الثورة الجنوبية» في 2007، ومؤسّس جمعية المتعاقدين العسكريين، ناصر النوبة، وبعدما وضعت الحرب أوزارها في عدن، انتقل هادي إلى خطة «إحراق» القيادات الجنوبية التي صعدت أسمها، فعرض بالاتفاق مع «التحالف»، على عيدروس الزبيدي، منصب محافظ عدن، وعلى شلال شائع، منصب مدير أمن المدينة، لم يتردّد الرجلان كثيراً، واستجابا بسرعة قياسية لضغوط الإمارات ودماء محافظ عدن جعفر سعيد، الذي اغتيل في حادثة تفجير سيارة مفخخة، لم تكن قد جفّت بعد.
قرابة عام ونصف قضاها عيدروس في المنصب الجديد، تعرّض خلالها، مع شلال، لأكثر من محاولة اغتيال، وطبعت تلك المرحلة بدفع شباب «المقاومة الجنوبية» للقتال في المناطق الشمالية، وهو ما جعل أصوات جنوبية عديدة في «الحراك» ترفض زجهم في جبهات واستخدامهم كـ«المرتزقة».
أقيل عيدروس الزبيدي، وإلى جانبه هاني بن بريك، الوزير الموالي للإمارات، بعد اختلاق حادثة منع وفد حكومي تابع لهادي من النزول في مطار عدن. مرّ القرار من دون ضجة كبرى في الشارع الجنوبي، وتحديداً في عدن، وجاء الردّ من عيدروس، ومن خلفه أبوظبي، بالإعلان عن تشكيل «المجلس الانتقالي» وتعيين خمسة محافظين ووزير في حكومة هادي، ضمن قياداته. استبشرت الأوساط الجنوبية خيراً بتشكيل «المجلس»، لكنها صُدمت بعد إصراره على تهميش بقية المكونات والتصميم على أنه هو الوحيد الذي يمتلك حق تمثيل شعب الجنوب بعد «تفويضه» في فعالية سُميت بـ«إعلان عدن التاريخي». لم يُقدم «المجلس» على فعل كبير يليق بحجم الوعود التي أطلقها، بما فيها تشكيل «المجلس العسكري»، ورفض محاولات البعض تعديل مساره.
جاءت مناسبة ذكرى أكتوبر ليعلن «المجلس الانتقالي» عن إقامة فعالية في المعلا، في الوقت الذي قررت فيه قوى أخرى في «الحراك» و«المقاومة» النأي بعيداً عنه، وإقامة فعالية في ساحة العروض، التي تمثل رمزية للدولة الجنوبية السابقة. مساعي الوساطات للاتفاق على موقع واحد للفعالية حملها كثيرون إلى «المجلس»، الذي طلب من معارضيه الانضمام لركبه، من دون تفاوض أو شروط، وتعهّد رئيسه عيدروس الزبيدي، بمفاجأة سيطلقها من ساحة مدرم بالمعلا، ليجعل الأنفاس كلها منحسبة للحظة التفوّه بها، قبل أن يظهر للجميع أن مفاجأة الزبيدي، لم تكن من النوع الذي يلبّي طموحات الجنوبيين في استعادة دولتهم السابقة.