منبر كل الاحرار

النفط اليمني بين آمال الشعب وأطماع المتفيدون السياسيون.!

الجنوب اليوم | مقال

 

في الخمسينيات من القرن الماضي بدأ الحديث من وجود النفط في اليمن، وذلك بعد أن قامت إحدى الشركات الدولية المعروفة بخبرتها في مجال استكشاف النفط بزيارة الى المنطقة الساحلية في غرب اليمن، للتنقيب عن النفط في منطقة سهل تهامة من اليابسة والبحر الأحمر المجاور له.

لكن أمل استخراج النفط في اليمن انتهى دون أن تتمكن الشركة؛ من النجاح ونقل اليمن لمصافي الدول النفطية وراقب سكان تهامة تلك الشركة وهي تحمل معداتها وخبراءها! على ظهور البغال والناقلات البدائية في رحلة نحو الشمال البعيد

ومرت السنوات وفي نهاية عقد السبعينات ظهرت العديد من الكتابات لباحثين يمنيين وعرب، و الدارسين في بعض جامعات العالم مقالات خجولة مترددة تشير الى أن أرض اليمن تحمل جيوباً نفطية وغازية في منطقة صحراء رملة السبعتين،باعتبارها امتدادا لطبقة الخف الجيولوجية الواسعة الممتداد من منطقة الخليج العربي ، فانتعشت آمال اليمنين من جديد وتوجهت اعناقهم نحو قادتهم في تلك المرحلة ،لتحقيق الحلم القديم بدلاً من معاناة الاغتراب ومفارقة الاهل والاحباب واستجداء الرزق من الأثرياء في الجوار .

وغامرت بعض الشركات الامريكية ذات الخبرة العريقة في أمريكا وبريطانيا! حتى ان أحد مسؤولي تلك الشركات الامريكية المغامرة قال قولته المشهورة وهو يضع قدمه الأولى فوق صحراء مأرب في اليمن: ” إذا كان الله قد وضع لليمنين نفطاً تحت اقدامهم فسوف نخرجه لهم “.

ولم تمر سوى سنوات محدودة حتى بدأ العالم يتحدث عن دولة ذات شطرين! في جنوب الجزيرة العربية تمتلك أرضها مكامن نفطية وغازية، يمكن ان تحدث قفزة ملموسة في حياة المجتمع اليمني البائس.

وبين استكشاف النفط وانتاجه وتشغيله وتسويقه وبيعه تمكنت الجمهورية العربية اليمنية سابقًا في الشمال، خلال عدة سنوات من الحصول على موارد مالية مناسبة بالشراكة مع المستثمرين الأجانب، وصلت الى بضع مليارات دولار ، حتى ان المنظمات الدولية المانحة وفي مقدمتها البنك الدولي صنف الجمهورية العربية اليمنية في منتصف الثمانينيات، ضمن الدول الراقية اقتصادياً وأقرت إمكانية حجب المعونات الاقتصادية والمالية عن هذا البلد، لتضعه في متناول شعوب أخرى لا تزال تحت وطأة الفقر والمرض والمجاعات .

ومع هذا الطفرة النفطية الناشئة في شمال اليمن والإمكانيات النفطية الواعدة في جنوبه، تطلع اليمنيون الى حلم أكبر مرتبط بكينونتهم ووجودهم وهو إعادة تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990م وكانت الثورة النفطية المكتشفة، إحدى المفردات الرئيسية لتشكيل العصب الاقتصادي في دولة الوحدة المباركة، حيث باشرت اول حكومة وطنية بعد الوحدة في دعوة المستثمرين العرب والأجانب للاستثمار في مجال الثروة النفطية والمعدنية، من خلال اصدار وثيقة برنامج الإصلاح الوطني والاقتصادي بالجمهورية اليمنية.

وتنافست هذه الشركات الاستثمارية على القطاعات النفطية في اليمن الموحد، وبدأت في إنتاج النفط بحوالي نصف مليون برميل في اليوم ، الوقت الذي حملت هذه الحماسة رياح الجشع والحسد وبدأت الحمى النفطية تهز كيانات سياسية وقبلية وعسكرية للاستثمار بأكبر قدر ممكن ! من هذه الموارد على حساب اغلبية الشعب البعيد عن هذه التكتلات والفئات اليمنية وكان أبناء المجتمع اليمني يعزون انفسهم بأن هؤلاء المستثمرين سيتحولون خلال فترة الفيد التي بدؤوها!بالتحول الى مؤسسات مدنية تخضع لسلطة الدولة وتدفع الضرائب والجمارك والزكوات والصدقات كما فعل الاخرون في الدول المجاورة.

إلا ان هذا الحلم كان مصيره الضياع أسوة بالأحلام السابقة، ومع بداية حقبة النهب المقيتة التي بدأت بعد حرب 94م انكمش المجتمع اليمني على نفسه ،وبدأ مرحلة الهجرة والاغتراب من جديد وانتحاله شخصية البطل الوهمي الكريم، الذي أساسها منطقة ” الفقير أبن الغني  و أرحموا عزيز قوم ذل . ” .

وطأة النهب تواصلت بقسوة غير معهودة على رقاب الشعب اليمني، مما أفقده أهم حلم اقتصادي، إذا ان الشركات المستثمرة متعددة الجنسيات التي قدمت الى الوطن اليمني الموحد لم تكن سوى كيانات انتهازية ارتبطت بمجموعة من الفئات اليمنية المتفيده  ،بعيداً عن رقابة المجتمع والدولة حتى بدأ الرزق الإلهي من الذهب الأسود ينحسر بطريقة متسارعة ،واللصوص يسارعون على التهام القطاعات النفطية المتهالكة وتحويل استثماراتهم الى خزائن ،تحوي تلك المليارات المستثمرة خارج اطار العقل والمنطق .

تحول المراهقون السياسيون في هذه الحقبة من أبناء القبائل وأبناء القيادات العسكرية، ومناضلو الاستثمارات الجدد بين ليلة وضحاها الى قطط سمان يستولون على المقاولات ويتفيدون القطاعات النفطية والاسكانية والصناعية ،ويعينون في المناصب الحكومية والاستثمارية من يريدون ،فلا غرابة اذا ان يتولى أحد الشخصيات القبلية في فترة من الفترات مهمة تسويق النفط الخام، مقابل الحصول على نسبة من كل صفقة ، واصبح يمتلك المليارات من عوائد تسويق النفط.

او ان يتحول أبناء الساسة والمسؤولين اليمنيين الان و خلال الحرب القائمة لعقد صفقات أستيراد المشتقات النفطية والاستحواذ على تسويقها وإدخالها اليمن مقابل فوائد كبيرة على حساب المواطن اليمني المغلوب على أمره.

منذ اندلاع احداث الربيع العربي في اليمن أسس الناهبون المحترفون شركات الشراكة في الاستكشافات النفطية والصناعية بالشراكة مع قيادات حكومية وهمية ،واستشرى الفساد حتى لم يعد المواطن اليمني يعرف كم تنتج حقوله من النفط ؟ وكم يباع منها ؟ واين تورد هذه العوائد في الخارج؟  وكم تورد من هذه المبالغ الى خزينة الدولة ؟ ومنع المسؤولون في وزارة النفط والشركات والمؤسسات والهيئات التابعة لها من الادلاء باي تصاريح إعلامية،او بلاغات فنية أو اصدار أي تقارير أو احصائيات سواء عن الإنتاج النفطي او الغازي او المعدني أو الوضع البيئي الناشئ في هذه الحقول والقطاعات !ولم يصح الشعب إلا على بيان مقتضب يفيد بأن الإنتاج الحالي من النفط لا يتجاوز مائة الف برميل في اليوم ،وانه يذهب الى حقول الشريك الأجنبي المساهم في الإنتاج والارباح وأصبحت موارد الدولة موزعة في بيوت ومدافن سرية خارج اطار البنك المركزي اليمني ، بينما بدأت الشركات الاستثمارية الحقيقة في الانسحاب والتراجع والرحيل خوفاً على مستقبل وسمعة شركاتها وموظفيها ،ومحذرة المجتمع اليمني من واقع أليم ومستقبل اسود في ظل وجود مثل هذه المافيا المتنفذة الجاهلة في كل شيء، ما عدا مهارة كسب المال غير المشروع بكفاءة متناهية .

تقدمت المافيات المحلية خطوة استراتيجية أخرى الى الامام بعد ان تفيدت كل مصادر الطاقة والوقود، وتمثلت هذه الخطوة في انشاء مجموعة من البنوك والمصارف والصناديق المبنية على غسيل الأموال والايداعات الوهمية والضمانات العقارية والسكنية غير المأمونة ، كما بدأت في ترحيل رأسماليات مهولة من عائدات النفط ومشاريعه على قاعدة هذه الضمانات الوهمية الى خارج البلاد.

بما في ذلك الموارد المالية الحكومية للاستثمارات في اذون الخزانة والودائع المربحة !وغيرها من وسائل الفهلوة المالية التي تدربت عليها جيداً ، وبدأت تصرف من هذه الموارد على مشاريعها الشخصية دون حسيب أو رقيب، حتى بدأت في برامج شراكة شريرة مع القطاع العام والمختلط على أساس الإقراض المجحف للشركات والمؤسسات الحكومية وبشروط أقرب الى الهيمنة والاستعباد،والتي ظهرت بعد الازمة السياسية الى صنعتها تلك المافيات بدعم من قوى واجندات خارجية إقليمية ودولية، وذلك للاستيلاء على هذه المؤسسات والشركات النفطية والغازية الخدمية لعدم قدرة هذه المؤسسات على دفع الفوائد والارباح المترتبة على هذه القروض والكمبيالات، وكانت شركة النفط اليمنية احدى ضحايا هذه الارتباطات المالية السرية المجحفة.

ولا يستبعد ان هناك عشرات من هذه الكيانات الاقتصادية الهامة على قائمة المؤسسات المستهدفة بالتدمير، مثل شركة صافر وشركة بيترو مسيلة ومصافي عدن، التي تشير كل البوادر المنطقية الى وجود خطة تدميرية ممنهجة لموارد هذه الشركات العملاقة، والتي ترفد الاقتصاد اليمني بمليارات الدولارات سنوياً وتمثل التغذية الرئيسية لموازنات الدولة المدنية والعسكرية والضمانات التقاعدية واحتياطات العملة الصعبة ،وللتوضيح أكثر فقد أصبحت هذه الشركات عبئاً اقتصادياً كبيراً بعد ان كانت راس الهرم التمويلي لمشاريع وبرامج التنمية في اليمن ، وأصبحت تقدم مواردها الطبيعية والبشرية والمالية هدايا وهبات لشركائها المحليين والأجانب دون أي رادع من ضمير او خوف من الخالق ، حيث لجأت الى سياسة تجزيئية للموارد والأصول وتوزيعها كحصص مساهمة في مشاريع هامشية غير مجدية اقتصادياً ،ولا تحقق أي استفادة حتى لكوادرها وموظفيها الذين صنعوا من هذه المؤسسات عملاقاً اقتصادياً عالياً لكل اليمن على مدى أكثر من ثلاثين عاماً

وجاءت الصراعات الأخيرة الناشئة عن الربيع العربي في عام 2011م وما تلاها من احداث خلال عشر سنوات ،من الحرب لتدق الإسفين الأخير في  الاستقرار السياسي  الهش وانكشفت الصورة الحقيقية  للإدارة الديماغوجية  للموارد والطاقات حتى لم تعد هذه الموارد تساهم في حل الأزمات الاقتصادية المتلاحقة والمتعاظمة ،بل ساعدت في تفجير الصراعات في العديد من المناطق اليمنية باستيلاء اطراف الصراع على تلك الثروات و إيراداتها.

وفي محاولة من القيادات السياسية اليمنية والخليجية لرأب الصدع وحقن الدماء، تم تأسيس المؤتمر الوطني للحوار الذي استمر انعقاده لأكثر من عام في 2013م، قام خلاله المتحاورون بدعم عربي، ودولي ببلورة مشاكل المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وتحويله إلى برنامج دستوري وسياسي وقضائي وجيوسياسي بما في ذلك تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم جغرافية لتحقيق التوجهات السياسية والتنموية  للمجتمع اليمني، على المدى المتوسط والبعيد على قاعدة إنشاء تلك الأقاليم.

وللأسف فقد تم توزيع هذه الأقاليم دون مراعاة للقدرات العلمية والاقتصادية والنفطية، لكل إقليم حتى بدأت حركة انقلابية من الأقاليم الفقيرة اعتراضاً على هذه القسمة غير العادلة.

وبالمقابل قامت السلطات المحلية في الأقاليم الثرية بالتمسك بحقوقها، وسيطرتها على موارد هذه الأقاليم وأهمها الموارد النفطية والغازية، واضطرت قوى العنف في الأقاليم المهمشة الأخرى، إلى الاستيلاء على الموانئ والمنافذ البحرية والبرية لتتمكن من توفير العائدات الضرورية لتحسين سبل عيش مجتمعاتها ومما آثر سلبًا على الصناعة النفطية اليمنية ومستقبلها.

وكان إقليم سبأ وحضرموت وشبوة هما الإقليميين الأكثر ثراءً من هذه الأقاليم ،الذي شكل إلى جانب سلطاته القبلية حجاباً أمنياً مسلحاً لحماية موارده وسلطات نفوذه ،والاستعانة ببعض القوى السياسية والنافذة بما في ذلك الاستعانة بقوى خارجية لحماية مصالحه ومستقبله الاقتصادي المرهون  بعائدات هذه الموارد، ولقد حققت هذا الإقليم نهضة عمرانية  لابأس بها خلال فترة هذا الصراع  واستقرار سياسي يخدم الفئة السياسية  المتحكمة  بهذا الأقاليم .

عدم توفر الإدارة المستدامة  لهذه الإمكانيات حدث اختلال اقتصادي عميق، في إدارة الموارد النفطية والغازية المتاحة في نطاق هذه الأقاليم وحرمت الإدارة المركزية من حصتها من الموارد المحلية السيادية ،مما تسبب في حدوث عجز شامل في تقديم الخدمات والمنافع الاقتصادية الأخرى، لبقية المواطنين القاطنين في الأقاليم المحرومة من هذه الثروات التي كانت تغطي أكثر من 80% من احتياجات تلك الأقاليم، قبل تأميم هذه الموارد إقليميا ومحليا بما في ذلك استيراد الغذاء ومصادر الوقود والمرتبات والخدمات، وإعادة إعمار البنية التحتية التي تدمرت نتيجة للصراع المحلي والتدخلات الخارجية.

ونتيجة لحالة الاختلال القائم في تلك الاقاليم النفطية و العجز في تشغيل وإدارة  الموارد النفطية، بسبب عدم توفر الخبرات المحلية  في المجالات الاستثمارية والقانونية والدستورية والبيئية ،على المستوى المحلي في هذه الأقاليم، فقد شهدت العمليات والأنشطة الفنية والإدارية، التي مارستها الإدارات الحالية لشركات النفط في هذه الاقاليم المنتجة للنفط تدني كبير في مستويات انتاج النفط ، نتيجة الفساد القائم وغياب دور وزارة النفط والأجهزة الرقابية الحكومية المناط بها التدقيق وراء هذه المؤسسات الاقتصادية وتصحيح أوضاعها وصعوبة تصدير كميات كبرى من النفط الخام.

وأخيراً وليس أخراً نأمل من شعبنا ونخبنا الاقتصادية والاستثمارية الوطنية الشريفة، وقيادة المجلس الرئاسي والحكومة وقيادة وزارة النفط، قراءة ما بين السطور في هذه المقالة المختصرة، والتطوع لمتابعة هذه الملاحظات التي اثرناها وتبنى تحالفات وطنية من الرأسمال الوطني، لإنقاذ هذه الثروة من الهدر والاستنزاف الممنهج، فكلنا في سفينة واحدة ولن ننتظر مفاجأة أخرى من نهب للموارد والثروات النفطية.

فعندما ينتهي الصراع القائم سيكتشف اليمنيون وفي الوقت الضائع ان ثرواتهم قد تم العبث بها ، وتم تدميرها بشكل ممنهج والقضاء على البنية التحتية للقطاع النفطي وتم فصل وعزل القطاعات الإنتاجية المشتركة عن بعضها، والتي كانت مرتبطة بعمليات إنتاجية واحدة وان ماتم بناؤه وإنجازه خلال ال 40 عام الماضية في الصناعة النفطية اليمنية قد دمر فعلًا ، فكيف سيكون مستقبل الآقتصاد اليمني الذي يعتمد بشكل اساسي على النفط ، من المؤسف ان معظم هذا التدمير والعبث تم خلال سنوات الحرب التي آتت ودمرت كل المنظومة الاقتصادية لليمن. لا يزال قطاع النفط اليوم يفتقر إلى رؤية واضحة للخروج من هذا المأزق الخطير ، فاليمن البلد المنتج للنفط والغاز اصبح لايستطيع الحصول على المشتقات النفطية والغاز المنزلي من انتاج اليمن ، بل يستوردها من الخارج وبأسعار مضاعفة ، وكيفية استعادة الإنتاج النفطي بحده الأعلى للدفع بعجلة التنمية ، والإسهام في خلق استقرار سياسي وامني واجتماعي يحتاجه اليمنيون لإنقاذ بلد انهكته الصراعات مثل اليمن.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com